و"الحرمة": ما لا يحل هتكه. وجميع ما كلفه الله تعالى بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها، فيحتمل أن يكون عاما في جميع تكاليفه، ويحتمل أن يكون خاصا فيما يتعلق بالحج. وعن زيد بن أسلم: "الحرمات خمس الكعبة الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمحرم حتى يحل (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) أى فالتعظيم خير له. ومعنى التعظيم: العلم بأنها واجبة المراعاة والحفظ والقيام بمراعاتها.
المتلوّ لا يستثنى من الأنعام، ولكن المعنى (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) آية تحريمه، وذلك قوله في سورة المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ)] المائدة: ٣ [والمعنى: أنّ الله قد أحل لكم الأنعام كلها إلا ما استثناه في كتابه، فحافظوا على حدوده، وإياكم أن تحرموا مما أحل شيئا، كتحريم عبدة الأوثان البحيرة والسائبة وغير ذلك، وأن تحلوا مما حرم الله، كاحلالهم أكل الموقوذة والميتة وغير ذلك.
لما حث على تعظيم حرماته وأحمد من يعظمها أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)، ولما أراد أن يكِرَّ إلى ما بُدئ به من حديث المناسك أعاد بفصل الخطاب فقال: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فنها من تقوى القلوب".
قوله: (المتلو لا يُستثنى من الأنعام)، يعني: ظاهرُ قوله: (إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) مستثنى من قوله: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ) وليس المتلو من جنس الأنعام، فلا يصحُّ الاستثناء، لكن التقدير: "إلا ما يتلى عليكم" آية تحريمه" آية تحريمه، والمتلو في تحريم الأشياء المحرمة في سورة المائدة هو قوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) الآية [المائدة: ٣].
قوله: (لما حث على تعظيم حرماته، وأحمد من يعظمها، أتبعه الأمر باجتناب الأوثان)، إشارةٌ إلى أن قوله: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ) محمولٌ على أحد الوجهين السابقين، وهو العموم المشار إليه بقوله: "فيحتمل أن يكون عاماً في جميع تكاليفه"، ليدخُل فيه


الصفحة التالية
Icon