النصاب إلى الفقير والمعنى: فعل المزكى الذي هو التزكية، وهو الذي أراده الله، فجعل المزكين فاعلين له ولا يسوغ فيه غيره، لأنه ما من مصدر إلا يعبر عن معناه بالفعل ويقال لمحدثه فاعل، تقول للضارب:
فاعل الضرب، وللقاتل: فاعل القتل: وللمزكى: فاعل التزكية. وعلى هذا الكلام كله والتحقيق فيه أنك تقول في جميع الحوادث: من فاعل هذا؟ فيقال لك: فاعله الله أو بعض الخلق. ولم تمتنع الزكاة الدالة على العين أن يتعلق بها فاعلون، لخروجها من صحة أن يتناولها الفاعل، ولكن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العبد؛ لاكتسابه، كقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) إلى قوله تعالى: (لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)، وقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) [الشمس: ٩]، وتارةً إلى الله تعالى، لكونه فاعلاً لذلك في الحقيقة، نحو: (بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) [النساء: ٤٩]، وتارةً إلى النبي ﷺ لكونه واسطةً نحو (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: ١٠٣] وتارةً إلى العباد التي هي آلة نحو (وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً) [مريم: ١٣].
قوله: (فيقالُ لك: فاعله الله أو بعض الخلق)، الانتصاف: يقولُ السني: الفاعل هو الله وحده، وإذا سُئل بصفةٍ مشتقةٍ من الفعل على طريقة اسم الفاعل من القائم أو القاعد، أجاب بأنه: الذي خلق الله الفعل على يده كزيدٍ وعمرو.
قوله: (ولم تمتنع الزكاةُ الدالة على العين أن يتعلق بها فاعلون)، أي: اللفظُ غيرُ مانع تعليق الزكاة، الذي هوا لعين، بفاعلون؛ لأن الواضع إنما وضع صيغ الأفعال لنسبة صدورها عن الفاعل، وأما أن ذلك الفاعل موجدٌ بالحقيقة أو غير موجد، فليس بداخل في مفهوم الفعل، وإنما يعرفُ بدليل خارجي، وإليه الإشارة بقوله: "ولكن لأن الخلق ليسوا بفاعليها". فقوله: "لخروجها" تعليلٌ لقوله: "لم يمتنع"، أي: لم تمتنع الزكاة الدالة على العين عند أهل اللغة بأن يتعلق بها الفاعلون لأجل هذا الصارف، وهو خروجها من صحة أن الخلق غير قادرين على إيجاد العين، بل القادر هو الله تعالى، فإن ذلك من الدلائل العقلية،


الصفحة التالية
Icon