ما معنى: جَعَلْنا الإنسان نطفة؟ قلت: معناه أنه خلق جوهر الإنسان أوّلا طينا، ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة. القرار: المستقرّ، والمراد الرحم. وصفت بالمكانة التي هي صفة المستقرّ فيها، كقولك. طريق سائر. أو بمكانتها في نفسها، لأنها مكنت بحيث هي وأحرزت. قرئ: (عظما فكسونا العظم)، و (عظاما فكسونا العظام)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ما معنى: جعلنا الإنسان نطفةً)، يعني: كيف قال أولا: (خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ) ثم قال: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً)؟ وأجاب: أن التعريف في "الإنسان" للجنس، فكأنه قيل: خلقنا جوهر ما يقال له: الإنسان ابتداء من طين، ثم صيرنا بعد ذلك جوهره من نطفة، قال القاضي: يجو أن يكون على حذف المضاف، أي: ثم جعلنا نسله، أي: خلقنا أصل الإنسان من سلالة، وهو آدم، ثم جعلنا نسله، أي: أولاده، من نطفةٍ.
قوله: (وصفت بالمكانة التي هي صفة المستقر)، يريد أن قوله: (مَكِينٍ) صفةٌ للنطفة في الأصل، وقد أجري على مكانها ومستقرها، وهو الرحم، إما على الإسناد المجازي نحو: طريقٌ سائرٌ، للمبالغة، أو وُصف الرحم بالمكين، ليؤذن بأن النطفة مكنت بحيث هي في رحم مكين غير منفصل مع ثقل الحمل، أو مُكنت في مكين غير ماجة لها، كأنها أحرزت في حرز حصين، وعلى هذا هو: نكايةٌ، أي: جعلناه نطفةً محروزة.
قوله: (قرئ: "عظماً")، أبو بكر وابن عامر، وكذا: "فكسونا العظم"، والباقون: (َعِظَاماً). قال ابن جني: قرأ "عظما" واحداً، (فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ) جماعةً: السلميُّ، وقتادة، والأعرج. وقرأ (َعِظَاماً) جماعةً، "فكسونا العظم" واحداً: مجاهدٌ. أما من وحد فإنه ذهب إلى لفظ إفراد الإنسان والنطفة والعلقة، ومن جمع فنه أراد بأن هذا أمرٌ عام في جميع الناس، وقد شاع عنهم إيقاع المفرد في موضع الجماعة، قال:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا