[(ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ)].
قرأ ابن أبى عبلة وابن محيصن: (لمائتون). والفرق بين الميت والمائت: أنّ الميت كالحي صفة ثابتة. وأمّا المائت، فيدل على الحدوث. تقول: زيد مائت الآن، ومائت غدا، كقولك يموت. ونحوهما: ضيق وضائق، في قوله تعالى (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)] هود: ١٢ [. جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة، والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه: دليلين أيضا على اقتدار عظيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحدهما: اتفاقُ ذلك المقدار سيما إذا تكلم بديهاً يكون من قبيل: رميةٌ من غير رام، فلا يلتفت إليه، وثانيهما: أن التحدي إنما وقع بأقصر سورة.
قوله: (جعل الإماتة.. والبعث... دليلين أيضاً على اقتدار عظيم)، أما الإشارةُ إلى كون الإماتة دالة على اقتدار عظيم فما في (ثُمَّ) من معنى التراخي في الرتبة، وتأكيدها بقوله: (بَعْدِ ذَلِكَ)، يعني: من أنشأ إنشاءً لطيفاً، وأبدع تركيباً عجيباً، لا يتسهل عليه إعدامه، وتفكيكُ أجزائه، لكن الله سبحانه وتعالى لعظم قدرته، وأن الموجودات لا يتوقف حصولها على شيء إذا تعلقت إرادته بها، كما قال: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: ٨٢]، يفكك ذلك التركيب العجيب الدائر بين تلك الأطوار المتباينة التي تخرق العقول، ويعدم ذلك الإنشاء الغريب الذي من شاهده اضطر إلى قوله: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، ثم ينشئه النشأة الأخرى أبدع ما يكون للاتصال إلى أقصى نهايات المطالب وأما دلالة البعث على الاقتدار العظيم فظاهرة.
فإن قلت: أمر الإعادة مما وقع عليه الإنكار من الجم الغفير، فكان قميناً بالتوكيدات، بخلاف الموت، فإن وقوعه من الضروريات، فلم جيء بـ"إن" واللام وبالاسم، لا سيما بالصفة المشبهة فيما ليس فيه الإنكارُ من وجه، وأتى فيما فيه الخلافُ بـ"إنّ" وحدها؟ قلتُ: قد مر أن الكلام في بيان إبداع تلك الخلقة العجيبة الشأن وتقلبها في تلا لأطوار التي تخرق الأوهام والأفكار منها، وفي الإيذان بأن له طوراً آخر هو غايةُ كماله، ولذلك خُلقَ