بعد الإنشاء والاختراع. فإن قلت: فإذا لا حياة إلا حياة الإنشاء وحياة البعث. قلت: ليس في ذكر الحياتين نفى الثالثة وهي حياة القبر، كما لو ذكرت ثلثي ما عندك وطويت ذكر ثلثه لم يكن دليلا على أن الثلث ليس عندك. وأيضا فالغرض ذكر هذه الأجناس الثلاثة: الإنشاء والإماتة والإعادة، والمطوى ذكرها من جنس الإعادة.
[(وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) ١٧].
الطرائق: السماوات، لأنه طورق بعضها فوق بعض كمطارقة النعل، وكل شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجنةُ الكافر"، ولما مات داودُ الطائي سُمع هاتفٌ يهتفُ: أُطلق داودُ من السجن. هذا خلاصةُ كلامه من "تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين"، والله تعالى أعلم.
قوله: (والمطوي ذكرها من جنس الإعادة)، وقلت: قد مر أن الكلام واردٌ في الإنشاء والإعادة، وذكرُ الموت تابعٌ لذكرها، وليس في بيان إثبات حياة القبر.
قوله: (لأنه طورق بعضها فوق بعض كمطارقة النعل)، النهاية: طارق النعل: إذا صيرها طاقاً وق طاق، وركب بعضها فوق بعض. اولتشبيه هاهنا واقعٌ في مجرد تصييرها طاقاً فوق طاق، دون اللصوق. روينا عن الإمام أحمد بن حنبل والترمذي، عن أبي هريرة قال: بينما النبي ﷺ جالسٌ وأصحابه قال: "هل تدرون ما فوقكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها الرقيعُ، سقفٌ محفوظٌ وموجٌ مكفوف"، قال: "هل تدرون مابينكم وبينها؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "سماءان بُعدُ ما بينهما خمسُ مئة سنة". ثم قال كذلك حتى عد سبع سموات، وما بن كل سماءين ما بين السماء والأرض، ثم قال: "هل تدرون ما فوق ذلك؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "وإن فوق ذلك العرش، وبينه وبين السماء بُعْدُ السماءين". الحديث.