فوقه مثله فهو طريقة: أو لأنها طرق الملائكة ومتقلباتهم: وقيل: الأفلاك، لأنها طرائق الكواكب فيها مسيرها: أراد بالخلق السماوات، كأنه قال: خلقناها فوقهم (وَما كُنَّا) عنها (غافِلِينَ) وعن حفظها وإمساكها أن تقع فوقهم بقدرتنا: أو أراد به الناس وأنه إنما خلقها فوقهم ليفتح عليهم الأرزاق والبركات منها، وينفعهم بأنواع منافعها، وما كان غافلا عنهم وما يصلحهم.
[(وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) ١٨].
(بِقَدَرٍ) بتقدير يسلمون معه من المضرة، ويصلون إلى المنفعة. أو بمقدار ما علمناه من حاجاتهم ومصالحهم. (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) كقوله (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ)] الزمر: ٢١ [وقيل: جعلناه ثابتا في الأرض. وقيل: إنها خمسة أنهار: سيحون نهر الهند. وجيحون: نهر بلخ، ودجلة والفرات: نهرا العراق. والنيل: نهر مصر، أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة، فاستودعها الجبال، وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم. وكما قدر على إنزاله فهو قادر على رفعه وإزالته. وقوله (عَلى ذَهابٍ بِهِ) من أوقع النكرات وأحزها للمفصل. والمعنى: على وجه من وجوه الذهاب به وطريق من طرقه. وفيه إيذان باقتدار المذهب، وأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: الأفلاك)، أي: وقيل: الطرائقُ: الأفلاك، والفرقُ أن المظلة إذا اعتُبرت فيها الأطباقُ، أو طرقُ الملائكة، سميت سماوات، وإذا نُظر إلى الكواكب ومسائرها، سُميت أفلاكاً، لقوله تعالى: (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء: ٣٣].
قوله: (أو أراد به الناس)، عطفٌ على قوله: "أراد بالخلق السماوات"، يعني: "الخَلْقُ": إما مُظهرٌ أقيم مقام الضمير؛ للإشعار بأنه تعالى خلق السماوات عن حكمة، وأنها محفوظةٌ بحفظه وإمساكه. وإما مصدرٌ بمعنى مخلوق؛ للإشعار بفضيلة الإنسان، وأن هذه المخلوقات العظام أُوجدت لمنافعه ديناً ودنيا امتناناً عليهم، وعلى التقديرين يلزمُ تعظيمُ ما يُرادُ منه.
قوله: (على وجه من وجوه الذهاب به)، وذلك أن التنكير فيه يدلُّ على تفخيم شأن


الصفحة التالية
Icon