وعن ابن الزبير: (على عباده)، وهم: رسول الله - ﷺ - وأمته، كما قال: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٠]، ﴿قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ [البقرة: ١٣٦]. والضمير في ﴿لِيَكُونَ﴾ لـ ﴿عَبْدِهِ﴾ أو لـ ﴿الْفُرْقَانَ﴾. وتعضد رجوعه إلى "الفرقان" قراءة ابن الزبير. ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾: للجن والإنس ﴿نَذِيرًا﴾: منذراً، أي: مخوفاً. أو: إنذاراً،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخسران، والياء في "مشركي": للنسبة، زيدت للمبالغة، كأحمري في أحمر، وقال: في ياء النسب زيادة قوةٍ في الفعل، كالخصوصية في الخصوص.
قوله: (وعن ابن الزبير: على عباده)، قال ابن جني: وجهه أن الإنزال وإن كان على رسول الله - ﷺ -، ولكن لما كان موصلاً له إلى العباد ومخاطباً به لهم، صار كأنه منزلٌ عليهم، ولذلك كثر فيه خطاب العباد بالأمر والنهي لهم، والترغيب والترهيب المصروف إليهم.
قوله: (وتعضد رجوعه إلى "الفرقان" قراءة ابن الزبير)، يعني: "نزل الفرقان على عباده"، لأن الضمير المفرد لا يصح عوده إلى الجمع، ولابد له من الرجوع إليه، فتعين أن يكون فرقاناً، ويعضد رجوعه إلى العبد قوله تعالى: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْمًا﴾ [يس: ٥ - ٦].
وقلت: وفي اختصاص النذير دون البشير سلوك طريق براعة الاستهلال، والإيذان بأن هذه السورة مشتملةٌ على ذكر المعاندين المتخذين لله ولداً وشريكاً، الطاعنين في كتبه ورسله واليوم الآخر، وهذا المعنى يؤيد تأويل ﴿تَبَارَكَ﴾ بقوله: "تزايد عن كل شيءٍ وتعالى عنه"- لإفادته صفة الجلال والهيبة- وإيذانه بتعاليه عما يقول الظالمون علواً كبيراً، ولذلك جعل قوله تعالى: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ توطئة وتمهيداً لقوله: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ وأردفه بقوله: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ لما مر مراراً أن كونه بديع السموات والأرض، ومفطرهما، ومالكهما، منافٍ لاتخاذ الولد والشريك، قال الله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ﴾ الآية [الأنعام ١٠١].