كالنكير بمعنى الإنكار، ومنه قوله: ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر: ١٦]. ﴿الَّذِي لَهُ﴾ رفعٌ على الإبدال من ﴿الَّذِي نَزَّلَ﴾، أو رفع على المدح، أو نصبٌ عليه. فإن قلت: كيف جاز الفصل بين البدل والمبدل منه؟ قلت: ما فصل بينهما بشيء، لأن المبدل منه صلته ﴿نَزَّلَ﴾، و ﴿لِيَكُونَ﴾ تعليلٌ له، فكأن المبدل منه لم يتم إلا به. فإن قلت: في الخلق معنى التقدير، فما معنى قوله: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾؟ كأنه: وقدر كل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿الَّذِي لَهُ﴾ رفعٌ على الإبدال من ﴿الَّذِي نَزَّلَ﴾)، وهذا أوجه من أن يكون نصباً أو رفعاً على المدح، لأن من حق صلة الموصول أن تكون معلومةً عند المخاطب، وكونه تعالى نزل الفرقان على عبده للإنذار لم يكن معلوماً عند المعاندين، فأبدل بقوله: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بياناً وتفسيراً، وليس كذلك المدح. وقال القاضي: الجملة وإن لم تكن معلومةً، لكنها- لقوة دليلها- أجريت مجرى المعلوم وجعلت صلةً.
قوله: (في الخلق معنى التقدير)، الراغب: الخلق أصله: التقدير المستقيم، ويستعمل في: إبداع الشيء من غير أصلٍ واحتذاء، قال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الأنعام: ١٠١]، ويستعمل في: إيجاد الشيء من الشيء، نحو: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [الأعراف: ١٨٩]، ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [النحل: ٤]، وليس الخلق الذي هو الإبداع إلا لله تعالى، ولهذا قال: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٧]، وأما الذي يكون بالاستحالة فقد جعله الله لغيره في بعض الأحوال، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي﴾ [المائدة: ١١٠]، وأما قوله: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] فيوهم أنه يصح أنه يوصف غيره بالخلق، ومعناه: أحسن المقدرين.
الأساس: خلق الخراز الأديم، والخياط الثوب: قدره قبل القطع، وقدر الشيء بالشيء: قاسه وجعله على مقداره. ومن المجاز: خلق الله الخلق: أوجده على تقديرٍ أوجبته الحكمة.