شيء فقدره! قلت: المعنى: أنه أحدث كل شيء إحداثاً مراعًى فيه التقدير والتسوية، فقدره وهيأه لما يصلح له، مثاله: أنه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدر المسوى الذي تراه، فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في بابي الدين والدنيا، وكذلك كل حيوانٍ وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدرة بأمثلة الحكمة والتدابير، فقدره لأمر ما ومصلحةٍ لما قدر له غير متجافٍ عنه. أو: سمي إحداث الله خلقاً، لأنه لا يحدث شيئاً لحكمته إلا على وجه التقدير من غير تفاوت، فإذا قيل: خلق الله كذا، فهو بمنزلة قولك: أحدث وأوجد من غير نظرٍ إلى وجه الاشتقاق، فكأنه قيل: وأوجد كل شيء فقدره في إيجاد لم يوجده متفاوتاً. وقيل: فجعل له غايةً ومنتهًى. ومعناه: فقدره للبقاء إلى أمدٍ معلوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والجواب الأول مبنيٌ على أن الخلق على الحقيقة، فالواجب أن يفسر قوله: ﴿فَقَدَّرَهُ﴾ بما يخالفه، وهو: ما قاله وهيأه لما يصلح له، وهو قول الزجاج: خلق الله الحيوان وقدر له ما يصلحه ويقيمه.
والثاني مفرعٌ على المجاز، وذلك أن إحداث الله تعالى الشيء لما لم يكن إلا على وجه التقدير، لأنه حكيمٌ، سمي مطلق إحداثه بالخلق لما فيه معنى التقدير. والفرق بين الوجهين: أن التقدير والتسوية على الأول مقصودٌ بذكر الخلق، وعلى الثاني غير مقصود، لكن لازمٌ له، ولذلك قال أولاً: مراعًى فيه التقدير، فالفاء على الأول: للتعقيب مع الترتيب، وعلى الثاني: للتعقيب مطلقاً، نحو قوله تعالى: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤]، فإن الفاء: للتعقيب. المعنى: فاعزموا على التوبة فاقتلوا أنفسكم من قبل أن الله تعالى جعل توبتهم قتل أنفسهم، ويجوز أن يكون القتل تمام توبتهم فيكون المعنى: فتوبوا فأتبعوا التوبة القتل تتمةً لتوبتكم.