[﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾ ٣].
الخلق بمعنى الافتعال، كما في قوله: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧]، والمعنى: أنهم آثروا على عبادة الله سبحانه عبادة آلهة لا عجز أبين من عجزهم، لا يقدرون على شيءٍ من أفعال الله ولا من أفعال العباد، حيث لا يفتعلون، لأن عبدتهم يصنعونهم بالنحت والتصوير، ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ﴾ أي: لا يستطيعون لأنفسهم دفع ضررٍ عنها أو جلب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧]، قال فيه: "واختلاقهم الإفك: تسميتهم الأوثان آلهةً وشركاء لله عز وجل، أو سمى الأصنام: إفكاً، وعملهم لها، ونحتهم: خلقاً للإفك"، يعني: مقام إنكار اتخاذ الأنداد من دون الله يقتضي تحقير شأن الأصنام، وهذا المعنى أدخل من الظاهر فيما قصد منه كما قصده الخليل عليه السلام في الآية المستشهد بها، ولما فسرت القرينة الثانية بذلك فسرت الأولى بما يشاكلها، وفيه إثبات الخالقية للعبد، وكذا في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾، ولو أجراهما على الظاهر كان أبعد من التعسف، واتفقت القرائن إلى آخر الآية في النفي عنها ما هو ثابتٌ للمعبود بالحق لأن المعبود ينبغي أن يكون خالقاً ومدبراً ومثيباً ومعاقباً، ويدل على أن النفع والضر ليس إلا إلى الله قوله تعالى ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ١٨٨]، ولا يقتضي هذا المقام من المبالغة ما يقتضيه ذلك، وإن شئت فجرب التأكيدات فيه من: "إنما" و"إن" والتكرير وغيرها، فهذا مقام الشكاية، وذلك مقام التوبيخ والتقريع.


الصفحة التالية
Icon