نفع إليها وهم يستطيعون، وإذا عجزوا عن الافتعال ودفع الضرر وجلب النفع التي يقدر عليها العباد كانوا عن الموت والحياة والنشور التي لا يقدر عليها إلا الله أعجز.
[﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا﴾ ٤].
﴿قَوْمٌ آَخَرُونَ﴾ قيل: هم اليهود. وقيل: عداسٌ مولى حويطب بن عبد العزى، ويسارٌ مولى العلاء بن الحضرمي، وأبو فكيهة الرومي. قال ذلك النضرب بن الحارث بن عبد الدار. "جاء" و"أتى" يستعملان في معنى فعل، فيعديان تعديته، وقد يكون على معنى: وردوا ظلماً، كما تقول: جئت المكان. ويجوز أن يحذف الجار ويوصل الفعل. وظلمهم: أن جعلوا العربي يتلقن من العجمي الرومي كلاماً عربياً بفصاحته جميع فصحاء العرب. والزور: أن بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه.
[﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾: ما سطره المتقدمون من نحو أحاديث رستم وأسفندياذ، جمع: إسطارٍ أو أسطورة، كأحدوثة، ﴿اكْتَتَبَهَا﴾: كتبها لنفسه وأخذها، كما تقول: استكب الماء واصطبه: إذا سكبه وصبه لنفسه وأخذه. وقرئ: (اكتتبها) على البناء للمفعول، والمعنى: اكتتبها كاتبٌ له، لأنه كان أميًا لا يكتب بيده، وذلك من تمام إعجازه، ثم حذفت اللام، فأفضى الفعل إلى الضمير، فصار اكتتبها إياه كاتبٌ، كقوله: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ [الأعراف: ١٥٥]،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقد يكون على معنى: وردوا)، أي: استعمل "جاء" بمعنى "ورد" قليلاً، ومنه: جئت المكان، أي: وردته. واختير ذلك لبلاغته ووجازته، إذ لو قيل: فقد ظلموا في ذلك وقالا قولاً زوراً، لأطال وفاتت الاستعارة، وقوله: "ويجوز أن يحذف الجار"، مشعرٌ بأن الوجه الأول مبنيٌ على التضمين، والثاني على المجاز.