ثم بني الفعل للضمير الذي هو "إياه"، فانقلب مرفوعاً مستتراً بعد أن كان بارزاً منصوباً، وبقي ضمير الأساطير على حاله، فصار (اكتتبها) كما ترى. فإن قلت: كيف قيل: ﴿اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ﴾ وإنما يقال: أمليت عليه فهو يكتتبها؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أراد اكتتابها، أو طلبه فهي تملى عليه. أو كتبت له وهو أميٌ فهي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ثم بني الفعل للضمير الذي هو "إياه"، فانقلب مرفوعاً مستتراً)، قال صاحب "الفرائد": لقائلٍ أن يقول: إن كان قوله: "له" مفعولاً بحرف، وجب أن لا يجوز بناء الفعل له مع المفعول به المتعدى إليه بغير حرف، وإن كان مفعولاً له، وهو الوجه، لأن المعنى اكتتبها كاتبٌ له، أي: لأجله، وجب أن لا يبني له. أما الأول فلأنه قال في "المفصل": "للمفعول به المتعدى إليه بغير حرفٍ من الفضل على سائر ما لا يبنى له"، إلى آخر الفصل. وأما الثاني فلأنه قال فيه: "المفاعيل سواءٌ في صحة البناء له إلا المفعول الثاني من باب "علمت"، والثالث من باب "أعلمت"، والمفعول معه والمفعول له".
وقلت: يمكن أن يقال: إنه مفعولٌ بحرف، ولما حذف الجار أوصل الفعل، وأقيم مقام الفاعل على القلب للمبالغة، ونحوه سبق في قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا﴾ [النور: ٣٦] في إقامة ﴿لَهُ﴾ مقام الفاعل. قال ابن جني: "اكتتبها": قراءة طلحة بن مصرف، وإنما هو: استكتبها، وهو على القلب، أي: استكتب له، ومثله قراءة من قرأ ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] أي: قدرت لهم، والقلب بابٌ وشواهد كثيرةٌ.
وأما قراءة العامة ﴿اكْتَتَبَهَا﴾ فمعناه: استكتبها، ولا يكون معناه: كتبها بيده، لأنه - ﷺ - كان أمياً لا يكتب، وليس ممتنعاً أن يكون ﴿اكْتَتَبَهَا﴾ بمعنى: كتبها، لأنه على رأيه وأمره، كقولنا: ضرب الأمير اللص.