أو هو تنبيهٌ على أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صباً، ولكن صرف ذلك عنهم أنه غفورٌ رحيم يمهل ولا يعاجل.
[﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَاكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَاكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ ٧ - ٨].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو هو تنبيهٌ على أنهم استوجبوا)، هذا الوجه أوفق لتأليف النظم، وذلك أن قوله تعالى: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ جوابٌ عن قولهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ﴾، وقولهم: ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ على الأسلوب الحكيم، أي: قل يا محمد: ليس هذا من افترائي ولا هو مملى علي، بل منزلٌ من عند من يعلم السر في السموات والأرض، وما في دخلكم من الدغل والدهاء والمكر، لأنكم تعلمون علمًا يقيناً أن هذا ليس من قبيل الافتراء، ولا هو من الأساطير، لأنه أعجزكم عن آخركم بفصاحته، وأنه تضمن أخباراً عن المغيبات، وأسراراً مكتوبةً لا يعلمها إلا الله عز وجل، لكن غرضكم الصد عن سبيل الله، ومجرد العناد، ويؤيد يذلك قوله تعالى: ﴿فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا﴾ وإقحامه بين كلامهم، فسبحانه ما أرحمه وما أجله، حيث أمهلكم ولم يعاجلكم بالاستئصال لهذه العظيمة! فإذنه في قوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ معنى التعجب كما في قوله تعالى: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾.
وقال القاضي: ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، فلذلك لا يعجل في عقوبتكم على ما تقولون مع كمال قدرته عليها، واستحقاقكم أن يصب عليكم صباً.
وقلت: انظر أيها المتأمل في هذا الجواب الصادع، والنور الساطع، والنظم الفائق، فسبح الله تعالى عنده.


الصفحة التالية
Icon