وقعت اللام في المصحف مفصولةً عن ﴿هَذَا﴾ خارجةً عن أوضاع الخط العربي، وخط المصحف سنة لا تغير، وفي هذا استهانةٌ وتصغير لشأنه، وتسميته بالرسول سخريةٌ منهم وطنزٌ، كأنهم قالوا: ما لهذا الزاعم أنه رسولٌ! ونحوه قول فرعون: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء: ٢٧]، أي: إن صح أنه رسول الله فما بله حاله مثل حالنا ﴿يَاكُلُ الطَّعَامَ﴾ كما نأكل، ويتردد في الأسواق لطلب المعاش كما نتردد؟ ! يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكاً مستغنياً عن الأكل والتعيش. ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكاً إلى اقتراح أن يكون إنساناً معه ملك، حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقعت اللام في المصحف مفصولةً عن ﴿هَذَا﴾ خارجةً عن أوضاع الخط العربي)، قال شارح "الرائية": كتب ﴿مَالِ هَذَا﴾ في موضعين: في الكهف: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ﴾ [الكهف: ٤٩]، وفي الفرقان: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ﴾. أما ﴿مَالِ الَّذِينَ﴾ فهون في المعارج لا غير في قوله تعالى: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [المعارج: ٣٦]، وكذلك: ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ﴾ [النساء: ٧٨] حرفٌ واحدٌ في النساء، جميع ذلك كتب مفصولاً من اللام، وهي لام الجر تنبيهاً على الأصل، وعلى أنه زائدٌ ليس من الكلمة، وجعل متصلاً بما ومنفصلاً مما دخل عليه، لأن ما قد اتصل بها غيرها.
وقال غيره: والأصل في ذلك أن تكتب موصولةً بما بعدها، لأنها لام الإضافة، ولا يظهر معناها إلا بما بعدها، وإنما كتبت في هذه الأحرف مقطوعةً لكثرة استعمال اللام مع "ما" التي للاستفهام، كقولهم: ما له وما لك؟ بمعنى: ما حالك وما شأنك؟ فتوهموا أن اللام من "ما" فوصولها بها، وقطعوها عما بعدها، كما قطعوا الشأن والحال عما بعدها.