"لا تراءى ناراهما"، كأن بعضها يرى بعضها على سبيل المجاز. والمعنى: إذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد سمعوا صوت غليانها. وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر. ويجوز أن يراد: إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضبا على الكفار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن جهنم لا ترى كما أن النار لا ترى، فهو عبارةُ عن مسافةٍ يتمكن فيها الرائي من النظر إلى المرئي.
قوله: (لا تراءى ناراهما)، النهاية: معناه: يجب على المسلم أن يباعد منزله عن منزل المشرك، ولا ينزل بالمنزل الذي إذا أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر لنار المشرك إذا أوقدها في منزله، وأصل تراءى: تتراءى، فحذف إحدى التاءين تخفيفاً، والترائي: تفاعلٌ من الرؤية، وإسناده إلى النارين مجازٌ.
وقلت: إذا جعل قوله: ﴿رَأَتْهُمْ﴾ مجازاً كان قوله: ﴿سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا﴾ ترشيحاً.
قوله: (وشبه ذلك)، أي: صوت غليانها.
قوله: (ويجوز أن يراد: إذا رأتهم زبانينها)، فالضمير في ﴿رَأَتْهُمْ﴾ للزبانية، لأن السعير يدل عليها كما أن الضمير في قوله تعالى: ﴿فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ [النساء: ١١] للميت، لأن الآية لما كانت في الميراث علم أن التارك هو الميت، قال الإمام: هذا قول الجبائي، والرؤية والتغيظ عندنا يجب إجراؤهما على الظاهر، فإنه لا امتناع في أن تكون النار حيةً مغتاظة على الكفار. والمعتزلة لما جعلوا البنية شرطاً في الحياة احتاجوا إلى التأويل.
الانتصاف: لا حاجة إلى المجاز، لأن رؤية جهنم جائزةٌ، وقد تظاهرت الظواهر بوقوع هذا الجائز، نحو قوله: ﴿تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾، ومحاجتها مع الجنة، وقولها: ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾


الصفحة التالية
Icon