تعال يا ثبور فهذا حينك وزمانك (لَّا تَدْعُوا) أي: يقال لهم ذلك: أو هم أحقاء بأن يقال لهم، وإن لم يكن ثمة قول ومعنى (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا، إنما هو ثبور كثير، إما لأن العذاب أنواع وألوان كل نوع منها ثبور؛ لشدته وفظاعته. أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها، فلا غاية لهلاكهم.
[(قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً* لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً)].
الراجع إلى الموصولين محذوف، يعنى: وعدها المتقون وما يشاءونه. وإنما قيل: (كَانَتْ)؛ لأن ما وعده الله وحده فهو في تحققه كأنه قد كان. أو: كان مكتوبا في اللوح قبل أن برأهم بأزمنة متطاولة أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم. فإن قلت: ما معنى قوله: (كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً)؟ قلت: هو كقوله: (نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها)، فالكثرة على هذا ليست للتحديد، ولهذا قال: "لا غاية لهلاكهم".
قوله: (يعني: وعدها المتقون)، بيانٌ لتقرير الراجع إلى الموصول الأول، وهي: ﴿الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾، وقوله: "وما يشاؤونه بيانٌ لتقدير الراجع إلى الموصول الثاني وهو: ﴿مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ﴾.
قوله: (ما معنى قوله تعالى: ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا﴾، يعني: قد علم من قوله: ﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ كون الجنة جزاءهم ومصيرهم، فما هذا التكرير؟ فأجاب: إنها كالتذييل لها إرادةً لمزيد مدح لتبجح ساكنيه، كما أن قوله: ﴿نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٣١] تذييلٌ لقوله: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ﴾ [الكهف: ٣١]، وأن قوله: ﴿بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩] تذييلٌ لقوله: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ [الكهف: ٢٩]، ودلالته على المدح


الصفحة التالية
Icon