فإن قلت: ما فائدة "أنتم" و"هم"؟ وهلا قيل: أأضللتم عبادي هؤلاء، أم هم ضلوا السبيل؟ قلت. ليس السؤال عن الفعل ووجوده، لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب، وإنما هو عن متوليه، فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام، حتى يعلم أنه المسئول عنه. فإن قلت: فالله سبحانه قد سبق علمه بالمسؤول عنه، فما فائدة هذا السؤال؟ قلت: فائدته أن يجيبوا بما أجابوا به، حتى يبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم، فيبهتوا وينخذلوا وتزيد حسرتهم، ويكون ذلك نوعا مما يلحقهم من غضب الله وعذابه، ويغتبط المؤمنون ويفرحوا بحالهم ونجاتهم من فضيحة أولئك، وليكون حكاية ذلك في القرآن لطفا للمكلفين. وفيه كسر بين لقول من يزعم أن الله يضل عباده على الحقيقة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب)، يعني: السؤال سؤال عتاب، وهو يستدعي حصول الفعل من الضالين، ليصح توجه العتاب إلى المعبودين، والغرض تقريع الضالين وتوبيخهم، فوجب أن يسأل عن فاعل الفعل، لا عن الفعل نفسه.
قوله: (وينخزلوا)، أي: ينقطعوا. الأساس: انخزل في مشيته: استرخى، وأقدم على الأمر ثم انخذل عنه، أي: ارتد وضعف، وانخزل عن جواب ما قلته له.
قوله: (وفي كسرٌ بينٌ لقول من يزعم أن الله يضل عباده على الحقيقة)، إلى آخره. قال صاحب "التقريب": والمعنى: أنتم أضللتموهم أم هم ضلوا؟ وهذا أعم من أنهم ضلوا بأنفسهم أو أضلهم غيرهم، فلا يدل على الخاص كما تبجح به صاحب "الكشاف".
وقال صاحب "الفرائد": أما الجواب عن قوله: "فيتبرؤون من إضلالهم، ويستعيذون به أن يكونوا مضلين" إنما تبرؤوا واستعاذوا به منه، لأنهم يستحقون العذاب بإضلالهم، ولم لكن منهم إضلالٌ، فيجب عليهم أن يقولوا ذلك ليندفع عنهم ما يستحقون به من العذاب، وذلك أنهم مسؤولون عما يفعلون، والله تعالى لا يسأل عما يفعل، فيلحق بهم النقصان إن ثبت عليهم، ولا يمكن لحوقه به، لأنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يسأل عما يفعل. وعن قوله: "ولقد نزهوه حين أضافوا" إلى آخره، هو أن قولهم: ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ﴾ إلى


الصفحة التالية
Icon