..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آخره، لا ينافي نسبة الإضلال إليه على الحقيقة. وأيضاً، ما يؤدي إلى الإضلال إذا كان منه وكان معلوماً له أنهم يضلون به، كان فيه ما في الإضلال بالحقيقة، فوجب- على مذهبه- أن لا يجوز عليه أيضاً. وعن قوله: "ولو كان هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقول: بل أنت أضللتهم"، هذا غير مستقيم، لأنه تعالى ما سألهم إلا عن أحد الأمرين: إضلالهم إياهم، أو إضلالهم بأنفسهم، فكيف يكون بل أنت أضللتهم جواباً عتيداً؟ بل هو جوابٌ لمن قال: من أضلهم، والله الهادي.
وقال الإمام: قالت المعتزلة: لو كان قوله: ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ﴾ دل على ما ذكرتموه للزم أن يصير الله تعالى محجوجاً. ومعلومٌ أنه ليس الغرض ذلك، بل الغرض أن يصير الكافر محجوجاً مفحماً ملوماً؟ وأجاب أصحابنا بأن القدرة على الضلال إن لم تصلح للاهتداء فالإضلال من الله، وإن صلحت لم تترجح مصدريتها للضلال على مصدريتها للاهتداء إلا بمرجح من الله تعالى، وعند ذلك يعود السؤال.
ثم قال الإمام: إن الاستفهام في ﴿أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي﴾ واردٌ على سبيل التقريع للمشركين، لأنه تعالى كان عالماً في الأزل بحال المسؤول عنه، كما قيل لعيسى عليه السلام: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦]، وفائدته أن المعبودين لما برؤوا أنفسهم، أحالوا ذلك الضلال إليهم، صار تبرؤهم عنهم أشد في حسرتهم وحيرتهم، فوافق جوابهم هذا: ﴿سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ جواب عيسى عليه السلام: ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [المائدة: ١١٦].
وقال القاضي: ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ﴾ بأنواع النعم، فاستغرقوا في الشهوات، حتى غفلوا عن ذكرك، أو التذكر لآلائك، والتدبر في آياتك، وهو نسبةٌ للضلال إليهم من


الصفحة التالية
Icon