..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيث إنه بكسبهم، وإسنادٌ له إلى ما فعل الله بهم فحملهم عليه، وهو عين ما ذهبنا إليه فلا ينتهض حجةً علينا للمعتزلة، ﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ أي: في قضائك هالكين.
وقلت: ولما كان السؤال على التعريض التوبيخي، والمقصود تبكيتهم، وإلزام الحجة عليهم، وتفضيحهم على رؤوس الأشهاد، أجابوا أولاً بما يدل على تبرؤهم من نسبة الإضلال إلى أنفسهم بأقصى ما يمكن من المبالغة خذلاناً لهم، وكان من حق الظاهر: أنا من أضللناهم، فأطنبوا بقولهم: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ إلى آخره. تعجباً، أي: كيف يصح منا أن نصفك بما لا يليق بجلالك، ونحن عالمون بالتقديس، وكيف يستقيم لنا أن نحمل غيرنا أن يتولونا دونك، ونحن العابدون. وثانياً: بما يدل على أن الكفرة هم ضلوا السبيل، لكن بتقدير الله وإضلاله، فأطنبوا في تعبيرهم بقوله: "لكن متعتهم" إلى آخره، يعني: متعتهم بطول العمر وسعة الرزق حتى تجعلوا ذلك سبباً في زيادة الشكر من قبول الذكر الذي عرض عليهم وهو القرآن، والتمسك بمقتضاه من تصديق من جاء لكونه معجزةً، والإيمان بما فيه من إثبات التوحيد والحشر والنشر، فعكسوا ذلك وجعلوه سبباً للثبات على اتخاذ الشركاء، حتى جرهم ذلك إلى ترك الذكر وعدم المبالاة به، كقوله تعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢].
وينصر القول بأن المراد بالذكر القرآن قوله: "والذكر: ذكر الله والإيمان به، أو القرآن"، وما نقله محيي السنة في "تفسيره": ﴿حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾ تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن.
ويساعد هذا التأويل قضية النظم، فإن قوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ متصلٌ بأول السورة، وهو قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ [الفرقان: ٢]، وقوله: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً﴾ أي: اتخذوا من دون الله آلهةً زعموا أنها أولادٌ لله وشركاء له


الصفحة التالية
Icon