حيث يقول للمعبودين من دونه: أأنتم أضللتموهم، أم هم ضلوا بأنفسهم؟ فيتبرءون من إضلالهم ويستعيذون به أن يكونوا مضلين، ويقولون: بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وآبائهم تفضل جواد كريم، فجعلوا النعمة التي حقها أن تكون سبب الشكر، سبب الكفر ونسيان الذكر، وكان ذلك سبب هلاكهم، فإذا برأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الإضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم واستعاذوا منه، فهم لربهم الغنىّ العدل أشدّ تبرئة وتنزيها منه، ولقد نزهوه حين أضافوا إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الإلهية، وأدى ذلك إلى تكذيبهم الذكر- أي: القرآن- أولاً بقولهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ﴾، و ﴿أَسَاطِيرُ﴾، وتكذيبهم الرسول - ﷺ - ثانياً بقولهم: "مال هذا الرسول يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق"، فرضوا بالإله أن يكون حجراً، وأبو الرسول أن يكون بشراً، وتكذيبهم الله آخراً، حيث أنكروا البعث والحشر، وإليه الإشارة بقوله: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ﴾ كما مر أنه مستلزمٌ لتكذيب الله.
وتحرير المعنى: ويوم نحشرهم وما اتخذوا من دون الله أولياء، حينئذٍ يعلمون أنهم أول من يخاصمهم ويخذلهم إذا سئلوا: أنتم أضللتم عبادي أن كنتم أولياءهم وشركاء الله، وأنتم حملتموهم على ذلك التقول والتكذيب للنعمة هم الذين عكسوا الأمر وضلوا، وحقت عليهم كلمة العذاب والبوار، يدل عليه قوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا﴾، فظهر من بيان النظم أنهم لو أجابوا بقوله: بل أنت أضللتهم، أبعدوا المرمى.
قوله: (ويستعيذون به أن يكونوا) أي: يستعيذون بالله من أن يكونوا مضلين، و"يقولون": عطفٌ على "فيبرؤون"، والفاء نتيجة مجموعة قوله: "حيث يقول للمعبودين من مدونه: أأنتم أضللتموهم أم هم ضلوا بأنفسهم؟ ".