..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال الزجاج: هذه القراءة خطأٌ، لأنك تقول: ما اتخذت من أحدٍ ولياً، ولا يجوز: ما اتخذت أحداً من ولي، لأن "من" إنما دخلت لأنها تنفي واحداً في معنى جميع، تقول: ما من أحدٍ قائماً، وما من رجلٍ محباً لما يضره، ولا يجوز ما رجلٌ من محبٍّ لما يضره، ولا وجه عندنا لهذا البتة، ولو جاز هذا لجاز في قوله: ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧] إلا أن يسقط "من" الثانية فيقال: أن نتخذ من دونك أولياء، فيصح الكلام، ويصح المعنى. وقال الزجاج: وأجاز الفراء هذه القراءة على ضعف، وزعم أنه يجعل ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ هو الاسم، ويجعل الخبر ما في "نتخذ"، كأنه يجعله على القلب.
ونقل صاحب "المطلع" عن صاحب النظم أنه قال: الذي يوجب سقوط هذه القراءة أن "من" لا تدخل إلا على مفعولٍ لا مفعول دونه، فإذا كان قبل المفعول مفعولٌ سواه لم يحسن دخول "من"، مثل قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ﴾ [مريم: ٣٥] فقوله: ﴿مِنْ وَلَدٍ﴾ لا مفعول سواه، ولو قال: ما كان الله أن يتخذ أحداً من ولدٍ، يحسن فيه دخول "من"، لأن الاتخاذ مشغولٌ بـ "أحد". كذلك قوله: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ﴾ قد قامت النون المضمومة فيه مقام المفعول، وشغل الاتخاذ به، فلم يقتض "من" في المفعول الذي بعده.
وقلت: فعلم من هذا أن ابن جني أجاز أن يزاد "من" في المفعول الثاني، وأبي الزجاج إلا أن تزاد في المفعول الأول. وذهب صحاب النظم إلى أن يزاد في مفعولٍ واحد، وبنى المصنف كلامه على كلام الزجاج، حيث قال: "والثانية من المتعدي إلى مفعولين"، أي: قراءة أبي جعفر، أحدهما: ما أقيم مقام الفاعل، والثاني: ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ على أن تكون "من" تبعيضةً لا زائدةً.
ولناصر قول ابن جني على قول الزجاج أن يقول: إن المثال الذي أتى به الزجاج غير مناسبٍ للآية، لأن المفعول الأول في الآية خاصٌ، وكذا في المثل الذي أتى به ابن جني، فيصح التعميم في الثاني، كما قال: ما اتخذت زيداً من وكيل، أي: أي وكيلٍ كان من أصناف


الصفحة التالية
Icon