[الفرقان: ٧]. (فِتْنَةً) أي: محنة وابتلاء. وهذا تصبير لرسول الله ﷺ على ما قالوه واستبدعوه، من أكله الطعام ومشيه في الأسواق بعدما احتج عليهم بسائر الرسل، يقول: وجرت عادتى وموجب حكمتى على ابتلاء بعضكم أيها الناس ببعض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احتجاجٌ عليهم في قوله: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَاكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: ٧] فقيل: كذلك كان من خلا من الرسل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، فكيف يكون محمدٌ بدعاً من الرسل؟
وقلت: قول الزجاج لا يساعد عليه النظم، لأنه قد أجيب عن تعنتهم بقوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ﴾ على ما سبق بيانه، لكن الله تعالى لما حكى عنهم تكذيبهم القرآن والرسول والإعادة، وعقب ذلك بالوعيد الشديد والتهديد العظيم، وبما يفضحهم على رؤوس الأشهاد مسلاةً للرسول، وشرحاً لصدره صلوات الله عليه، وجعل خاتمة كل ذلك قوله: ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ﴾ الآية، أعاد بذكر ما هو من جنس قصته صلوات الله عليه مزيداً للانشراح، يؤيده الخطاب في قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ﴾ وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ﴾ تسليةٌ من قولهم: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ﴾ ليتأسى بهم، وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾ تسليةٌ من تعبيرهم له بالفقر حين قالوا: ﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾ [الفرقان: ٨]، ألا ترى كيف عقبهما بقوله: ﴿َكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ أي: عالماً بالصواب فيما يبتلى به وغيره. فلا يضيقن صدرك ولا يستخفنك أقاويلهم.
قوله: (وجرت عادتي)، قالوا: ولو قال: وجرت سنتي، كان أقرب إلى الأدب، لأنها صفةٌ نفسانيةٌ. الراغب: العادة: اسمٌ لتكرير الفعل أو الانفعال حتى يصير ذلك سهلًا تعاطيه كالطبع، ولذلك قيل: العادة طبيعةٌ ثانية.


الصفحة التالية
Icon