الأنبياء، وأن الله لا يصح أن يرى. وإنما علقوا إيمانهم بما لا يكون. وإما أن لا يكونوا عالمين بذلك وإنما أرادوا التعنت باقتراح آيات سوى الآيات التي نزلت وقامت بها الحجة عليهم، كما فعل قوم موسى حين قالوا: (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) [البقرة: ٥٥]. فإن قلت: ما معنى (فِي أَنْفُسِهِمْ)؟ قلت: معناه أنهم أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد في قلوبهم واعتقدوه. كما قال: (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) [غافر: ٥٦]. (وَعَتَوْا): وتجاوزوا الحدّ في الظلم. يقال: عتا علينا فلان. وقد وصف العتوّ بالكبير، فبالغ في إفراطه يعنى أنهم لم يخسروا على هذا القول العظيم، إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العنوّ، واللام جواب قسم محذوف. وهذه الجملة في حسن استئنافها غاية. وفي أسلوبها قول القائل:

وجارة جسّاس أبأنا بنابها كليبا غلت ناب كليب بواؤها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإنما علقوا إيمانهم بما لا يكون)، أي: بالمحال، أي: لا يؤمن أبداً، هذا إنما يصح أن لو كان القوم معتزلةً غير مستقيم، والقوم هم الذين وصفهم الله بقوله: ﴿لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾، وهم المعاندون السابقون. وقد أقيم المظهر مقام المضمر، وذلك أنه تعالى لما سلى رسوله صلوات الله عليه بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ عاد إلى تقبيح نوعٍ آخر من أفعالهم وهو إنكارهم لقاء الله، وأن لله تعالى دار جزاء.
قوله: (وهذه الجملة في حسن استئنافها غايةٌ)، أي: قوله: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ جملةٌ قسميةٌ يستدعي أن يتلقى بها من يبالغ في الإنكار، كأنه لما قالوا: لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا، حمل السامع على أن يقول: ما أشد استكبارهم! وما أكبر عتوهم! لأنها اشتملت على أمر يقتضي التعجب منهم، فلا يتمالك أن يترك ذلك القول، فوضع موضعه: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا﴾، لأنه أثبت وأبلغ من ذلك.
قوله: (وجارة جساسٍ)، البيت، جساسٌ: قاتل كليب، وجارته بسوس امرأة.


الصفحة التالية
Icon