فقالوا: تفسير هذا الكلام كيت وكيت، كما قيل: معناه كذا وكذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني: قوله: ﴿تَفْسِيرًا﴾ في قوله: ﴿وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ وضع موضع "معنى ومؤدى"، أي: أحسن معنى ومؤدى من سؤالهم، فهو من وضع السبب موضع المسبب، لأن التكشيف سبب ظهور المعنى وكشفه، ففيه المبالغة مع الإيجاز.
قال صاحب "الفرائد": ويمكن أن يقال: وأحسن معنًى في غاية الحسن وكماله، ولا يقدر: من سؤالهم، ومثله قوله: الله أكبر له الكبرياء كلها. قلت: فإذاً يفوت معنى التسلية، لأن المعنى: لأنهم بك ما اقترحوه من قوله: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً﴾ فإن تنزيله مفرقاً أحسن مما اقترحوه لفوائد شتى، وعلى هذا جميع ما اقترحوه. وهو المراد من قوله: "أو لا يأتونك بحالٍ وصفةٍ عجيبة، يقولون: هلا كانت هذه صفتك، إلا أعطيناك من الأحوال ما هو أحسن كشفاً من ذلك".
قوله: (فقالوا: تفسير هذا الكلام كيت وكيت، كما قيل: معناه كذا وكذا)، قال الحريري في "درة الغواص في أوهام الخواص": يقال: قال فلانٌ: كيت وكيت، فيوهمون فيه، لأن العرب تقول: كان من الأمر كيت وكيت، وقال فلانٌ: ذيت وذيت، فيجعلون "كيت وكيت كنايةً عن المقال، كما أنهم يكنون عن مقدار الشيء وعدته بلفظة: كذا وكذا، فيقولون: قال فلانٌ من الشعر كذا وكذا بيتاً، واشترى الأمير كذا وكذا عبداً، والأصل في هذه اللفظة "ذا" فأدخل عليها كاف التشبيه، إلا أنه قد انخلع من "ذا" معنى الإشارة، ومن الكاف معنى التشبيه، لأنك لست تشير إلى شيء، ولا تشبه شيئاً بشيء، وإنما تكني بها عن عددٍ ما، والكاف لما امتزجت بـ "ذا"، وصارت معه كالجزء الواحد ناسبت لفظتها لفظة "حبذا" التي لا يجوز أن يلحقها علامة التأنيث، فتقول: عنده كذا وكذا جاريةً، وعند الفقهاء أنه إذا قال من له معرفةٌ بكلام العرب: لفلانٍ علي كذا كذا درهماً، لزم له أحد عشر درهماً، لأنه أقل الأعداد المركبة، وإن قال: له علي كذا وكذا درهماً، لزم أحدٌ وعشرون درهماً، لكونه أول الأعداد المعطوفة. وعن بعضهم: يقال: كان من الأمر كيت وكيت.


الصفحة التالية
Icon