الوزارة لا تنافي النبوّة، فقد كان يبعث في الزمن الواحد أنبياء ويؤمرون بأن يوازر بعضهم بعضا. والمعنى: فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم، كقوله: (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء: ٦٣] أي: فضرب فانفلق. أراد اختصار القصة فذكر حاشيتيها أوّلها وآخرها، لأنهما المقصود من القصة بطولها أعني: إلزام الحجة ببعثة الرسل، واستحقاق التدمير بتكذيبهم. وعن علي رضي الله عنه: (ودمَّرتُهم)، وعنه: (فدَمِّراهُم). وقرئ (فدمّرانّهم) على التأكيد بالنون الثقيلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يؤازر بعضهم بعضاً)، الجوهري: الوزر: الملجأ. وأصل الوزر: الجبل. والوزر: الإثم، والثقل والمكاره، والسلاح. الوزير: المؤازر، كالأكيل والمؤاكل، لأنه يحمل عنه وزره، أي: ثقله.
قوله: (وقرئ: "فدمرانهم" على التأكيد بالنون)، قال ابن جني: هي قراءة علي ومسلمة، كأنه أمر موسى وهارون عليهما السلام أن يدمرانهم، وألحق نون التوكيد ألف التثنية، كما تقول: أضربان زيداً ولا تقتلان جعفراً.
وقال صاحب "المطلع": فإن قيل: لم يكونوا كذبوا بالآيات حين أمر بالذهاب إليهم، فكيف وصفوا؟ قلنا: المعنى اذهبا بآياتنا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا المتقدمة مع الرسل الماضية.
وقال الإمام: إنه تعالى بعد أن تكلم في التوحيد وإثبات النبوة والجواب عن شبهات المنكرين، شرع في ذكر القصص على السنن المعلوم، فبدأ بقصة موسى عليه السلام، أي: لست يا محمد بأول من أرسلناه فكذب وآتيناه الآيات فرد، فقد آتينا موسى التوراة وقوينا عضده بأخيه هارون، مع ذلك فقد رد وكد، وكذلك الرسل قاطبة.
وقلت: إن الله تعالى لما حكم بقوله: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا﴾ وسلاه بقوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ جاء بتفصيل ذلك،


الصفحة التالية
Icon