و "لَوْلا" في مثل هذا الكلام جار من حيث المعنى - لا من حيث الصنعة - مجرى التقييد للحكم المطلق (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وعيد ودلالة على أنهم لا يفوتونه وإن طالت مدّة الإمهال، ولا بدّ للوعيد أن يلحقهم فلا يغرّنهم التأخير. وقوله: (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا) كالجواب عن قولهم: (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا)؛ لأنه نسبة لرسول الله إلى الضلال من حيث لا يضلّ غيره إلا من هو ضال في نفسه. ويروى: أنه من قول أبي جهل لعنه الله.
[(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً)].
من كان في طاعة الهوى في دينه يتبعه في كل ما يأتى ويذر، لا يتبصر دليلا ولا يصغي إلى برهان. فهو عابد هواه وجاعله إلهه، فيقول لرسوله هذا الذي لا يرى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (و"لولا" في مثل هذا الكلام جارٍ- من حيث المعنى لا من حيث الصنعة- مجرى التقييد للحكم المطلق)، ويروى: لا من حيث الصنعة، بالنون والعين المهملة، أي: صنعة أهل النحو، يعني: أن صنعة النحو تقتضي أن يأتي بعد كلمات الشرط جملتان: شرطٌ وجزاء، وقد يؤتى في بعض المواضع الذي يراد تقييد الجملة المتقدمة بشرطٍ محذوفٍ جوابه، كقولك: آتيك غداً إن تركني فلانٌ، فقولك: إن تركني: تقييدٌ لا من حيث الصنعة، لأن "إن" ليست بموضوعية للقيد، قال: " ﴿إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا﴾ [الممتحنة: ١]، متعلقٌ بـ ﴿لَا تَتَّخِذُوا﴾ يعني: لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي. وقول النحويين في مثله: هو شرطٌ جوابه محذوفٌ لدلالة ما قبله عليه"، وحكم "لولا" حكم كلمات الشرط في اقتضاء الجملتين، وتقدير الربط بينهما.
قوله: (من كان في طاعة الهوى)، "من": شرطيةٌ، أو موصولةٌ، والخبر أو الجزاء قوله: "فهو عابدٌ هواه"، وقوله: "فيقول"، مرتبٌ عليهما، والهمزة فلي ﴿أَرَأَيْتَ﴾ للتقرير والإنكار، يعني: إذا كان الشأن كذلك فيقول الله لرسوله: أرأيت من اتخذ إلهه هواه أنت تتوكل عليه وتحبره على الإسلام؟ وإليه الإشارة بقوله: "هذا الذي لا يرى معبوداً إلا هواه" إلى آخره، ويجوز أن يكون قوله: "فهو عابدٌ هواه" معطوفاً على "يتبعه في كل ما يأتي ويذر"، "فيقول" جزاء الشرط، أي: كونهم على هذه الحالة الشنيعة، سببٌ لأن ينكر الله تعالى على رسوله