معبودا إلا هواه: كيف تستطيع أن تدعوه إلى الهدى؟ أفتتوكل عليه وتجبره على الإسلام وتقول: لا بدّ أن تسلم شئت أو أبيت، ولا إكراه في الدين؟ وهذا كقوله: (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) [ق: ٤٥]، (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية: ٢٢]. ويروى: أنّ الرجل منهم كان يعبد الحجر، فإذا رأى أحسن منه رمى به وأخذ آخر. ومنهم الحرث بن قيس السهمي.
[(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)].
(أَمْ) هذه منقطعة، معناه: بل أتحسب كأن هذه المذمة أشدّ من التي تقدّمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول، لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذنا ولا إلى تدبره عقلا، ومشبهين بالأنعام التي هي مثل في الغفلة والضلال، ثم أرجح ضلالة منها. فإن قلت لم أخر هواه والأصل قولك: اتخذ الهوى إلها؟ قلت: ما هو إلا تقديم المفعول الثاني على الأوّل للعناية،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويقول: هذا الذي لا يرى معبوداً إلا هواه. هذا التقدير أوفق لتفسير الآية، لأن قوله: ﴿أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ واقعٌ جزاءً للشرط، وهو معنى قوله: "فيقول لرسوله هذا الذي" ليؤذن بأن الجزاء لا يستقيم إلا بتقدير الإخبار والقول. وقد أكد الله سبحانه وتعالى الإنكار حيث أخرج الشرط والجزاء الإنكار، وأقحم حرف الإنكار بين الشرط والجزاء على ضمير الفاعل المعنوي ليدل على أن الوكيل هو الله تعالى، ليس غيره أحدٌ.
قوله: (أفتتوكل عليه؟ )، قيل: هو مطاوع وكله: جعله وكيلاً، يقال: توكل لي على فلانٍ حتى تأخذ حقي منه.
قوله: (ما هو إلا تقديم المفعول الثاني على الأول للعناية)، الانتصاف: وفيه نكتة إفادة الحصر، فإن الجملة قبل دخول ﴿أَرَأَيْتَ﴾ و ﴿اتَّخَذَ﴾ مبتدأٌ، وخبر المبتدأ: ﴿إِلَهَهُ﴾،


الصفحة التالية
Icon