[(وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً)].
يريد: ولقد صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل، وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر؛ ليفكروا ويعتبروا، ويعرفوا حق النعمة فيه ويشكروا، (فَأَبى) أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودها وقلة الاكتراث لها. وقيل: صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة، وعلى الصفات المتفاوتة من: وابل وطل، وجود ورذاذ، وديمة ورهام فأبوا إلا الكفور وأن يقولوا: مطرنا بنوء كذا، ولا يذكروا صنع الله ورحمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومواشيهم لم يعدموا سقياهم. وهذا الجواب أحسن، ولمعنى الإيغال والتتميم أجمع، إذ ليس اهتمام من يقرب الأودية والأنهار ومنابع الماء، كاهتمام من هو بعيدٌ منها، فعلى هذا المراد بالأناسي: أصاب البوادي والمتبعدون من مظان الماء
قال صاحب " الفرائد": على هذا لم يلزم أن يكون المراد من الطهور المطر، لأن إحياء الأرض وسقي الأنعام، لا يقتضيان كون الماء مطهراً.
قلت: قد مر أن دلالة الطهور على تلك اللطيفة بحسب الرمز والتلويح، على أن سلوك طريق الإدماج، وإشارة النص دأب البلغاء، وطريقة الفقهاء.
قوله: (وقلة الاكتراث)، الأساس: كرثه الأمر: أي: حركه، وأراك لا تكترث لذلك، ولا تعبأ به.
قوله: (من وابلٍ، وطل)، الوابل: المطر الشديد، والطل: أضعف المطر، والجود: المطر البالغ، والرذاذ: المطر الضعيف، والرهمة: المطر الضعيف الدائم، والديمة: المطر الذي يدوم أياماً ثلاثةً أو أكثر.
قوله: (مطرنا بنوء كذا)، الأنواء ثمان وعشرون منزلةً من منازل القمر، كل منزلةٍ نوءٌ.
قوله: "مطرنا بنوء كذا"، أي: في وقت سقوط هذه المنزلة، وقد مضى شرحها، وسيجيء في سورة يس مستقصًى.


الصفحة التالية
Icon