وعن ابن عباس: ما من عام أقل مطرا من عام، ولكن الله قسم ذلك بين عباده على ما شاء، وتلا هذه الآية. وروي أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره في كل عام، لأنه لا يختلف ولكن تختلف فيه البلاد. وينتزع من هاهنا جواب في تنكير البلدة والأنعام والأناسي، كأنه قال: لنحيي به بعض البلاد الميتة، ونسقيه بعض الأنعام والأناسي، وذلك البعض كثير. فإن قلت: هل يكفر من ينسب الأمطار إلى الأنواء؟ قلت: إن كان لا يراها إلا من الأنواء ويجحد أن تكون هي والأنواء من خلق الله: فهو كافر، وإن كان يرى أن الله خالقها وقد نصب الأنواء دلائل وأمارات عليها: لم يكفر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وعن ابن عباسٍ: ما من عام أقل مطراً)، إلى قوله: "وتلا هذه الآية" دلالة الآية عليه أن معنى التصريف: التحويل الكثير، يعني: صرفنا ما قسمنا من المطر بينهم في البلدان المختلفة بحسب اختلاف احتياجهم، أو لمجرد المشيئة.
قوله: (وينتزع من هاهنا)، أي: من هذا التأويل جوابٌ عن السؤال الماضي، أي: قوله: "فما معنى تنكير الأنعام والأناسي"؟ وذلك أن إنزال المطر إذا كان بقدر احتياج الناس إليه واستغنائهم عنه، فلابد من التصريف، فإن من أناخ بقرب الأودية والأنهار ومنابع الماء لم يبلغ احتياجه إلى سقي الماء احتياج من هو بعيدٌ من ذلك.
وأما بيان النظم فإنه تعالى لما قال: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ وعلله بحياة البلدة الميتة، وسقي بعض الأنعام وبعض الأناسي، عرف أن ذلك كان بقدر الاحتياج ولابد من قادرٍ مختارٍ بجزئيات أحوال المخلوقين، حتى يحول إلى كل من ذلك ما يحتاج إليه، فقيل: ولقد صرفنا، وجيء بالجملة القسمية، لإبطال زعم من يزعم أن ذلك بسبب الأنواء.
قوله: (وقد نصب الأنواء دلائل وأماراتٍ عليها: لم يكفر)، النهاية: وإنما غلظ النبي - ﷺ - في أمر الأنواء، لأن العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى،