[(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً* فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً)].
يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: (وَلَوْ شِئْنا) لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى. و (لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) نبيا ينذرها. وإنما قصرنا الأمر عليك وعظمناك به، وأجللناك، وفضلناك على سائر الرسل، فقابل ذلك بالتشدد والتصبر فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ فيما يريدونك عليه، وإنما أراد بهذا تهييجه وتهييج المؤمنين وتحريكهم. والضمير للقرآن أو لترك الطاعة الذي يدل عليه: (فَلا تُطِعِ)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأراد بقوله: "مطرنا بنوء كذا" أي: في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائزٌ، أي: أن الله تعالى قد أجرى العادة أن يأتي بالمطر في هذه الأوقات.
وأحسن منهما قول الإمام: "من جعل الأفلاك والكواكب مستقلةً باقتضاء هذه الأشياء فلا شك في كفره، وأما من قال: إنه تعالى جبلها على خواص وصفاتٍ تقتضي هذه الحوادث فلعل لا يبلغ خطأه إلى حد الكفر".
قوله: (أو لترك الطاعة)، يعني: أن الضمير المجرور في ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾ للقرآن، والمعنى ما سبق، وإنا أخر "ولا تطع" عن معنى قوله: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾ وفي التنزيل مقدم، لأن قوله: ﴿فَلَا تُطِعِ﴾ مرتبٌ بالفاء على ما سبق، ولما لم يصح أن يكون مرتباً عليه ظاهراً انتزع من مفهوم السابق واللاحق، وهو: ﴿وَلَوْ شِئْنَا﴾ ﴿وَجَاهِدْهُمْ﴾ معنيين، وجعلهما مرتبين وعطف "ولا تطع" بالواو عليهما، أو لترك الطاعة الدال عليه "ولا تطع"، يعني: أنهم يجدون ويجتهدون في أن تميل إليهم وتتبع أهواءهم الباطلة لتوهين أمرك فلا تتبع أهواءهم، وجاهدهم بترك طاعتهم جهاداً كبيراً.
وفي قوله: "ولا تطع الكافرين فيما يريدونك عليه" إشارةٌ إلى أن قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا﴾ متصلٌ بقوله: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾، لأنه إنكارٌ على حرصه على إسلامهم وتهالكه فيه، حيث كان يبذل فيه


الصفحة التالية
Icon