ينفع ولا يضر - على ربه هينا مهينا، من قولهم: ظهرت به، إذا خلفته خلف ظهرك لا تلتفت إليه، وهذا نحو قوله: (أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) [آل عمران: ٧٧].
[(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً* قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً)].
مثال (إِلَّا مَنْ شاءَ)، - والمراد: إلا فعل من شاء- واستثنائه عن الأجر: قول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ممن لا يلتفت إليهم، وإلى صنيعهم، لأنهم يعبدون من دون الله ما لا ينفع ولا يضر، وفيه شائبةٌ من معنى الإنكار، ثم أكد ذلك بأن الكافر على ربه "هيناً مهيناً".
قوله: (وهذا نحو قوله: ﴿أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ﴾ إلى قوله: (﴿وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ٧٧]، يعني: نحو في إرادة المجاز عن عدم الالتفات دون الكناية. وهو على مذهبه، لأن نفي الرؤية عمن يجوز عليه الرؤية كنايةٌ عن عدم المبالاة عمن لا يجوز عليه مجاز. كذلك قوله: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ إذا كان من قولهم: ظهرت به، إذا خلفته ظهرك هنا: مجازٌ عن عدم الالتفات لا كنايةٌ كما مر.
قوله: (- والمراد: إلا فعل من شاء- واستثنائه من الأجر)، "استثنائه": مجرورٌ، عطفٌ تفسيريٌ على قوله: "إلا من شاء" والاستثناء من باب قوله: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان: ٥٦]. قال صاحب "الفرائد": يمكن أن يقال: التقدير: إلا مال من شاء أن يتخذ: لأن الأجر هنا: المال، والمعنى: ما أسألكم على تبليغ الوحي مالاً، إلا مال من يتخذ بإنفاقه إلى ربه سبيلاً، أي: يتقرب إليه، ويطلب الدرجة عنده، وذلك المال المسؤول له، لا لي.
وقلت: هذا المعنى لا يستقيم في قوله: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]، فوجب حمله على ذلك المعنى، وما ذكره أشار إليه المصنف بقوله: "وقيل: المراد التقرب بالصدقة".