ذي شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال: ما أطلب منك ثوابا على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه. فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب، ولكن صوّره هو بصورة الثواب وسماه باسمه، فأفاد فائدتين، إحداهما: قلع شبهة الطمع في الثواب من أصله، كأنه يقول لك: إن كان حفظك لمالك ثوابا فإني أطلب الثواب. والثانية: إظهار الشفقة البالغة وأنك إن حفظت مالك: اعتدّ بحفظك ثوابا ورضى به كما يرضى المثاب بالثواب. ولعمري إنّ رسول الله ﷺ كان مع المبعوث إليهم بهذا الصدد وفوقه. ومعنى اتخاذهم إلى الله سبيلا: تقربهم إليه وطلبهم عنده الزلفى بالإيمان والطاعة. وقيل: المراد التقرّب بالصدقة والنفقة في سبيل الله.
[(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً)].
أمره بأن يثق به ويسند أمره إليه في استكفاء شرورهم، مع التمسك بقاعدة التوكل وأساس الالتجاء؛ وهو طاعته وعبادته وتنزيهه وتحميده، وعرّفه أن الحي الذي لا يموت، حقيق بأن يتوكل عليه وحده ولا يتكل على غيره من الأحياء الذين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (اعتد بحفظك ثواباً)، من الاعتداد، وظن "اعتد" مخففاً، قيل: هو من العتيد: الحاضر المهيأ، وقد عتده تعتيداً وأعتده إعتاداً، وفاعل "اعتد" ضمير المال، أي: إن حفظت مالك هي لك بسبب حفظك ثواباً، ومنفعته يوماً احتاج إليه، ويروى: "اعتد" و"رضي" معروفاً. والضمير للقائل المشفق.
قوله: (وعرفه أن الحي الذي لا يموت حقيقٌ بأن يتوكل عليه وحده)، لأن أصل الكلام: توكل علي، ثم: توكل على الله، فخص الحي الذي لا يموت بالذكر، ليكون تعريضاً بأن غيره لا يصح أن يتوكل عليه، أما الأصنام فإنها أمواتٌ لا يكفى أمر من يتوكل عليها.