أقصى حدّ الذبح، ولعل للإشفاق، يعنى: أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من إسلام قومك، (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ): لئلا يؤمنوا، أو لامتناع إيمانهم، أو خيفة أن لا يؤمنوا. وعن قتادة: (باخع نفسك) على الإضافة.
[(إِنْ نَشَا نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه | بشيءٍ نحته عن يديه المقادر |
قوله: (يعني: أشفق على نفسك أن تقتلها حسرةً على ما فاتك من إسلام قومك)، دل على الأمر بالإشفاق قضية الإنكار، أي: إنك تفعل ذلك فلا تفعل. قال الإمام: لما بين الله تعالى أن الكتاب مبينٌ للأشياء، قال بعده: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ منبهاً على أن الكتاب وإن بلغ في البيان كل غايةٍ فلا مدخل له في إيمانهم، لما سبق أن حكم الله بخلافه، فلا تبالغ في الحزن والأسف، لأنك إن بالغت فيه كنت بمنزلة من يقتل نفسه، ثم لا ينتفع بذلك أصلاً، فصبره وعزاه وعرفه أن غمه لا ينفع، كما أن مجرد وجود الكتاب ووضوحه لا ينفع.
قوله: (أو خيفة أن لا يؤمنوا)، إنما قدر الوجهين، لأن قوله: ﴿أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ تعليلٌ لقوله: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾، وليس بفعل لفاعل الفعل المعلل، فكان من الظاهر ذكر حرف التعليل، وإنما ترك لأن في "أن" دلالةً عليه لما اطرد حذف الجار منه، أو أنه فعل له على تقدير المضاف، ومن ثم قال: "خيفة أن لا يؤمنوا".