[(وَما يَأتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَاتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)].
أي: وما يجدد لهم الله بوحيه موعظة وتذكيرا، إلا جددوا إعراضا عنه وكفرا به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي: وما يجدد لهم الله بوحيه موعظةً وتذكيراً، إلا جددوا إعراضاً عنه وكفراً به)، فإن قلت: هب أن قولهن: ﴿مُحْدَثٍ﴾ يدل على التجدد، لكن قوله: ﴿كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ وقوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾ وقوله: ﴿كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ لا يدل إلا على المضي، فمن أين قال: "إلا جددوا إعراضاً"؟ ولذلك قال الإمام: الآية من تمام قوله تعالى: ﴿إِنْ نَشَا نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ﴾، فنبه تعالى أنه مع قدرته على أن يجعلهم مؤمنين بالإلجاء رحيمٌ بهم، حيث يأتيهم بالقرآن حالاً بعد حال، ويكرره عليهم، وهم مع ذلك على جدٍّ واحدٍ في الإعراض والتكذيب والاستهزاء".
قلت: المصنف ما اعتبر التجدد والاستمرار من لفظٍ ﴿مُحْدَثٍ﴾، بل من وقوع المضارع مقابلاً للمضي، وهو: ﴿وَمَا يَاتِيهِمْ﴾ كما اعتبروه من وقوع المضارع في حد المضي في قولهم: لو تحسن إلى لشكرت. قال صاحب "المفتاح": قصدوا بـ "تحسن": أن إحسانه مستمر الامتناع فيما مضى وقتاً فوقتاً، وأما لفظة ﴿مُحْدَثٍ﴾، فلتوكيد معنى التجدد والاستمرار فيما يأتيهم.
وأما قضية النظم فإن هذه الآية متصلةٌ معنى بقول تعالى: ﴿طسم (١) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾، فإنه تعالى أعلم أولاً أنه أنزل هذا الكتاب الكريم في نهايةٍ من الوضوح والبيان، وأنهم ما رفعوا له رأساً، ثم نبه ثانياً على أن هذا الكتاب مع وضوح آياته إنما أنزل على سبيل التدرج، ليكون أدخل في التذكير، وأنجع في الاتعاظ به، وهم مع ذلك قابلوا كل حصةٍ منه بتكذيبٍ واستهزاء، كل ذلك تسليةً لحبيبه - ﷺ - لئلا يذهب بنفسه حسرات، ولذلك أوقع قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ الآيتين اعتراضاً، يعني: انظر إليهم وإلى ما


الصفحة التالية
Icon