..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعلوا بمثل هذا الكتاب الكريم، وبمنزله، على أنه قادرٌ على أن يقسرهم على الإيمان وهم مهانون خاضعون، فأشفق على نفسك أن تقتلها حسرةً على ما فاتك من إسلامهم.
وأنت يا أيها المتأمل في كتاب الله المجيد إذا أمعنت النظر فيما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة وجدته نازلاً تسليةً لقلب الحبيب صلوات الله وسلامه عليه من تكذيب القوم إياه، والطعن فيما أنزل إليه والاستهزاء به، ألا ترى كيف ذيل كل قصةٍ من القصص المذكورة فيها بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾، وجعل كالتخلص إلى قصةٍ أخرى وكالمهتم بشأنه، فيرجع إليه إذا وجد له مجالاً، يعني: لا تتحسر على إصرارهم على الكفر، وتكذيبهم ما أنزلنا عليك، إن ربك عزيزٌ ينتقم منهم، ويرحم عليك بأن يقدر لك من يؤمن بك إن لم يؤمن هؤلاء. ومن ثم قرن معه وقدم عليه كل مرةٍ قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، وإليه الإشارة بقوله: "لهو العزيز في انتقامه من الكفرة، الرحيم لمن تاب" وأحسن. يعني: لك التأسي بربك مع كبريائه وجلاله، وبالأنبياء عليهم السلام السالفة، ولذلك بدأ سبحانه وتعالى بأمر نفسه، وذكر أنه تعالى أنزل عليهم دليل السمع، فأعرضوا وكذبوا واستهزأوا، ونصب لهم الدلائل الظاهرة، وأراهم آياتٍ يفتح بها أعينهم: من إنبات كل صنفٍ بهيج، وما التفتوا ولا رفعوا له رأساً، ثم فصل ذلك بتلك الفاصلة، وقرنها بتلك القرينة، وثنى بقصة موسى عليه السلام وختمها أيضاً بتلك الفاصلة والقرينة، وثلث بقصة الخليل عليه السلام وختمها بهما، وهلم جراً إلى آخر السورة.
انظر- أيها المتأمل في كتاب الله المجيد، المستخرج للطائفة من قعر بحره، الملتقط لدرره بغوص فكره- إلى رفعة منزلة سيدنا محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه، ونباهة قدره، كأنه التنزيل بجملته نازلٌ لتسكين بادرته، وتسلي حزنه، وتثبيت خلده، ورباطة جأشه، وتهذيب أخلاقه، وإرشاد أمته، مع مراعاة ألفاظ التلويح والتعريض والرمز، كالمناغاة بين المتحابين، ولله در شيخنا شيخ الإسلام أبي حفص السهر وردي قدس الله تعالى روحه حيث


الصفحة التالية
Icon