من المنافع (إِنَّ فِي) إنبات تلك الأصناف (لَآيَةً) على أن منبتها قادر على إحياء الموتى، وقد علم الله أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم، غير مرجوّ إيمانهم (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه من الكفرة (الرَّحِيمُ) لمن تاب وآمن وعمل صالحا. فإن قلت: ما معنى الجمع بين "َكم" و"كُلّ"؟ ولو قيل كم أنبتنا فيها من زوج كريم؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿إِنَّ فِي﴾ إنبات تلك الأصناف: ﴿لَآَيَةً﴾ على أنها منبتها قادرٌ على إحياء الموتى) إشارةٌ إلى بيان النظم، وأن الذكر المحدث المطلق في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَاتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ﴾ مقيدٌ بقيد إثبات الحشر والنشر، وأن المقدر بعد همزة الاستفهام في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ الاستهزاء والتكذيب، وهو المعطوف عليه، أي: أكذبوا بالبعث، ولم يروا إلى الأرض؟ وعليه قوله تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الروم: ٥٠].
قوله: (ما معنى الجمع بين "كم" و"كل"؟ ولو قيل: كم أنبتنا فيها من زوج كريم)، أي: لو قيل لكان كافياً، وأجاب: أن مقام بيان كمال قدرة الله تعالى يقتضي إيراد ما يستوعب الأصناف كلها مع بيان تكاثرها، ولا يحصل ذلك إلا بالجمع بين كم وكل. ونقل صاحب "الانتصاف" الجواب، ثم قال: فيكون المراد بالتكثير: الأنواع، والظاهر أن المراد به آحاد الأزواج والأنواع، فلو أسقطت "كلًا" وقلت: انظر إلى الأرض كم أنبت الله تعالى فيها من الصنف الفلاني، لكنت مكثراً آحاد ذلك الصنف، فإذا أدخلت "كل" آذنت بتكثير آحاد كل صنفٍ لا آحاد صنفٍ معين.
وقلت: هاهنا صورٌ ثلاث:
إحداها: كم أنبتنا فيها من زوج كريم، فالكثرة في آحاد صنف، لا آحاد كل صنف. وثانيتها: أنبتنا فيها كل زوج، فليس فيها إلا استيعاب الأصناف المعلومة. وثالثتها: ما عليه التلاوة، فالكل: لإحاطة جميع الأصناف، وكم: لكثرة أفراد كل صنفٍ من تلك الأصناف،