قلت: قد دلّ "كُلِّ" على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل، و "كَمْ" على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة، فهذا معنى الجمع بينهما، وبه نبه على كمال قدرته. فإن قلت: فما معنى وصف الزوج بالكريم؟ قلت: يحتمل معنيين، أحدهما: أن النبات على نوعين: نافع وضارّ، فذكر كثرة ما أنبت في الأرض من جميع أصناف النبات النافع، وخلى ذكر الضارّ. والثاني: أن يعم جميع النبات نافعة وضارّه، ويصفهما جميعا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو المراد من قوله: فإذا أدخلت "كل" آذنت بتكثير آحاد كل صنف. هذا شرح كلامه، لكن هذا التركيب لا يفيد إلا ما قال المصنف كما سنقرره.
وقيل: على ما ذكره المصنف: "من": بيانٌ، والأولى أن يقال: إنها للابتداء، أو للتبعيض، أي: أنبتنا من كل صنفٍ أفراداً كثيرةً، ونباتاتٍ متعددةً، فيكون إشارةً إلى كثرة الأفراد من كل صنف، و"كل: إشارةٌ على الإحاطة بجميع الأصناف، و"كم": إشارةٌ إلى كثرة الأفراد من أي صنفٍ فرض من هذه الأصناف، ويجوز أن يكون هذا المعنى هو مراد المصنف، وظاهر كلامه يوهم خلافه.
وقلت: معنى كلام المصنف: "أن هذا المحيط متكاثرٌ": أن هذا الذي أحاط بأزواج النبات متكاثرٌ، فالمحيط: الكل، والمحاط به: الأصناف والظاهر معه، لأن مدخول "كم" قوله: ﴿أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾، فيلزم تكاثر هذا المجموع، فيدخل فيه آحاد كل صنف، بدليل الخطاب، لكون المقام مقام مبالغة، ولهذا تبعه الإمام، ونقل ألفاظ "الكشاف" بعينها من غير تغيير. وقال القاضي: "كلٌ": لإحاطة الأزواج، و"كم": لكثرتها، فظهر أن فائدة الجمع بين "كم" و"كل": التكميل، إذ لو اقتصر على أحدهما لم يعلم المعنى الآخر، ولهذا قال: "ونبه به على كمال قدرته".
قوله: (والثاني: أن يعم جميع النبات نافعه وضاره)، فعلى هذا: الصفة مادحهٌ، وعلى الأول: فارقةٌ.