من أيام الله. ويحتمل أن يكون "لا يَتَّقُونَ" حالا من الضمير في (الظَّالِمِينَ)، أي: يظلمون غير متقين الله وعقابه، فأدخلت همزة الإنكار على الحال. وأمّا من قرأ: (ألا تتقون) على الخطاب؛ فعلى طريقة الالتفات إليهم، وجبههم، وضرب وجوههم بالإنكار، والغضب عليهم، كما ترى من يشكو من ركب جناية إلى بعض أخصائه والجاني حاضر، فإذا اندفع في الشكاية وحرّ مزاجه وحمى غضبه قطع مباثة صاحبه وأقبل على الجاني يوبخه ويعنف به، ويقول له: ألا تتق الله، ألم تستح من الناس. فإن قلت: فما فائدة هذا الالتفات، والخطاب مع موسى عليه السلام في وقت المناجاة، والملتفت إليهم غيب لا يشعرون؟ قلت: إجراء ذلك في تكليم المرسل إليهم في معنى إجرائه بحضرتهم وإلقائه إلى مسامعهم، لأنه مبلغه ومنهيه وناشره بين الناس، وله فيه لطف وحث على زيادة التقوى، وكم من آية أنزلت في شأن الكافرين وفيها أوفر نصيب للمؤمنين، تدبرا لها واعتبارا بموردها. وفي (أَلا يَتَّقُونَ) بالياء وكسر النون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لهم قولي: إني قريبٌ، أو مبلغاً قولي، وكذا في قراءة كسر النون، وفي الخطاب قائلاً لهم: ألا تتقون، وفي الأوجه: ألا تتقون: منصوب المحل على أنه مفعولٌ، لأنه مقولٌ.
قوله: (من أيام الله)، أيام الله تعالى: وقائعه ممن مضى من الأمم، كقولهم: أيام العرب لوقائعهم، واليوم يعبر به عن الشدة.
قوله: (وجبههم)، الأساس: جبهته: ضربت جبهته، ومن المجاز: جبهته: لقيته بما يكره، ولقيت منه جبهةً، أي: مذلةً وأذى، وأنشد بعضهم:
حييت عنها أيها الوجه | ولغيرك الشحناء والجبه |
قوله: (وكم من آية أنزلت في شأن الكافرين وفيها أوفر نصيبٍ للمؤمنين)، الأول من عبارة النص، والثاني من إشارته.