خوف التكذيب، وضيق الصدر، وامتناع انطلاق اللسان، والنصب على أنّ خوفه متعلق بهذه الثلاثة. فإن قلت: في النصب تعليق الخوف بالأمور الثلاثة، وفي جملتها نفي انطلاق اللسان. وحقيقة الخوف إنما هي غم يلحق الإنسان لأمر سيقع، وذلك كان واقعا، فكيف جاز تعليق الخوف به؟ قلت: قد علق الخوف بتكذيبهم وبما يحصل له بسببه من ضيق الصدر، والحبسة في اللسان زائدة على ما كان به، على أنّ تلك الحبسة التي كانت به قد زالت بدعوته. وقيل: بقيت منها بقية يسيرة. فإن قلت: اعتذارك هذا يردّه الرفع، لأنّ المعنى: إنى خائف ضيق الصدر غير منطلق اللسان. قلت: يجوز أن يكون هذا قبل الدعوة واستجابتها، ويجوز أن يريد القدر اليسير الذي بقي به، ويجوز أن لا يكون مع حل العقدة من لسانه من الفصحاء المصاقع الذين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (على أن تلك الحبسة التي كانت به قد زالت بدعوتة)، يعني بقوله عليه السلام: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي﴾ [طه: ٢٧]، والحاصل أن المتوقع زيادة الحبسة على تقدير بقائها، أو معاودتها على تقدير زوالها إن زالت بالكلية ولو بقيت منها بقيةٌ.
قوله: (اعتذارك هذا يرده الرفع)، يعني: قد أجبت أنا ما يخاف عليه يجب أن يكون متوقعاً، لا واقعاً، وأن المراد بالحبسة: الزائدة الطارئة، أو معاودة الزائل، هذا على تقدير النصب صحيحٌ، لأن "يضيق"، "ولا ينطلق": معطوفان على ﴿يُكَذِّبُونِ﴾، وأما على قراءة الرفع فلا، لأنهما معطوفان على "أخاف"، فلم يكونا متوقعين، لأن الخوف غير مسلطٍ عليهما، فيلزم الوقوع كالخوف، وأن المعنى: إني خائفٌ ضيق الصدر، وإني غير منطلق اللسان، والواجب اتفاق القراءتين في أصل المعنى. وأجاب بما يجمع القراءتين في المعنى، وذلك أن قراءة الرفع مبنيةٌ على أن هذه القول كائنٌ قبل أن يقول: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي﴾ [طه: ٢٧] وقراءة النصب على أنه بعده، فاختلاف الزمانين دافعٌ للتناقض الواقع بين القراءتين، وفيه بحثٌ، فالمختار هي القراءة بالرفع التي عليها الجمهور.
قوله: (المصاقع)، الأساس: صقع الديك، وخطيبٌ مصقع، مجهرٌ في خطبته، وقيل: المصقع: الخطيب البليغ، كأنه يقصد كل صقع من الكلام، أي: كل ناحية.