أوتوا سلاطة الألسنة وبسطة المقال، وهارون كان بتلك الصفة، فأراد أن يقرن به. ويدل عليه قوله عز وجل: (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) [القصص: ٣٤]. ومعنى: (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ): أرسل إليه جبرائيل، واجعله نبيا، وآزرنى به، واشدد به عضدي، وهذا كلام مختصر. وقد بسطه في غير هذا الموضع، وقد أحسن في الاختصار حيث قال: (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ)، فجاء بما يتضمن معنى الاستنباء، ومثله في تقصير الطويلة والحسن قوله تعالى: (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) [الفرقان: ٣٦]؛ حيث اقتصر على ذكر طرفي القصة أوّلها وآخرها، وهما الإنذار والتدمير، ودلّ بذكرهما على ما هو الغرض من القصة الطويلة كلها، وهو أنهم قوم كذبوا بآيات الله، فأراد إلزام الحجة عليهم، فبعث إليهم رسولين فكذبوهما، فأهلكهم. فإن قلت: كيف ساغ لموسى عليه السلام أن يأمره الله بأمر فلا يتقبله بسمع وطاعة من غير توقف وتشبث بعلل، وقد علم أن الله من ورائه؟ قلت: قد امتثل وتقبل، ولكنه التمس من ربه أن بعضده بأخيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (سلاطة الألسنة)، الأساس: امرأةٌ سليطةٌ: طويلة اللسان صخابةٌ، ورجلٌ سليطٌ، وقد سلط سلاطةً، وقيل: رجلٌ سليطٌ، أي: فصيحٌ حديد اللسان.
قوله: (وقد بسطه في غير هذا الموضع) منه: في طه: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ [طه: ٢٩ - ٣٢].
قوله: (بما يتضمن)، وهو الإرسال، لأن ما تثبت به النبوة هنا إرسال الملك.
قوله: (وقد علم أن الله تعالى من ورائه)، قال في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج: ٢٠]: "هذا مثلٌ، لأنهم لا يفوتونه كما لا يفوت فائتٌ الشيء المحيط به"، والمعنى: كيف ساغ له التوقر والتعلل، وقد علم أن سلطان الله وقهره مانعٌ لذلك، وأنه تحت قهره لا يفوته أحدٌ؟ وقوله: "وقد علم أن الله تعالى": حالٌ مقررةٌ لجهة الإشكال.
قوله: (قد امتثل وتقبل، ولكنه التمس من ربه عز وجل أن يعضده بأخيه)، قال الإمام: