أن يستنبئه من كل كبيرة ومن بعض الصغائر، فما بال الكفر. ويجوز أن يكون قوله: (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) حكما عليه بأنه من الكافرين بالنعم، ومن كانت عادته كفران النعم لم يكن قتل خواص المنعم عليه بدعا منه. أو بأنه من الكافرين بفرعون وإلهيته. أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم، فقد كانت لهم آلهة يعبدونهم، يشهد لذلك قوله تعالى: (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف: ١٢٧]، وقرئ: (وإلهتَك)، فأجابه موسى صلوات الله عليه بأن تلك الفعلة إنما فرطت منه وهو (مِنَ الضَّالِّينَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باطناً، ومنه قولهم: كن وسطاً وامش جانباً.
قوله: (ومن بعض الصغائر)، وهو ما ينفر، كالكذب والتطفيف، وفيه خلافٌ سيجيء في النمل إن شاء الله تعالى.
قوله: (ويجوز أن يكون قوله: ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ حكماً عليه بأنه من الكافرين بالنعم)، فعلى هذا: ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ اعتراضٌ أو تذييلٌ، يدل عليه قوله: "ومن كانت عادته كفران النعم لم يكن قتل خواص المنعم عليه بدعاً منه"، كما سبق في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ [البقرة: ٥١]، وقوله: "أو بأنه من الكافرين" أيضاً على الاعتراض، فالكافرون في الآية يجوز أن يفسر بالكفران الذي هو في إزاء النعمة والمقابل للشكر، وأن يفسر بالذي هو مقابلٌ للإيمان، والحاصل أن قوله: ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ إما: حالٌ، أو: تذييلٌ، والكفر على الوجهين ففيه الأوجه المذكورة في الكتاب".
قوله: (فقد كانت لهم آلهةٌ يعبدونهم)، متفرعٌ على معنى الكفر بهذا التأويل، أي: يجوز استعمال لفظ الكفر من كل من تدين بدينٍ، ويعبد معبوداً، سواءٌ كان حقاً أو باطلاً فيمن يخالف نحلته، أي: أنت من الكافرين بمعبودنا، قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٥٦].


الصفحة التالية
Icon