أي: الجاهلين. وقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (من الجاهلين) مفسرة. والمعنى: من الفاعلين فعل أولي الجهل والسفه. كما قال يوسف لإخوته: (قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) [يوسف: ٨٩]؛ أو المخطئين كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل. أو الذاهبين عن الصواب. أو الناسين، من قوله: (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة: ٢٨٢]. وكذب فرعون ودفع الوصف بالكفر عن نفسه، وبرّأ ساحته، بأن وضع (الضَّالِّينَ) موضع (الْكَافِرِينَ)؛ ربئاً بمحل من رشح للنبوّة عن تلك الصفة، ثم كرّ على امتنانه عليه بالتربية، فأبطله من أصله واستأصله من سنخه، وأبى أن تسمى نعمته إلا نقمة. حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل؛ لأنّ تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته، فكأنه امتن عليه بتعبيد قومه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو الذاهبين عن الصواب)، عطفٌ على قوله: "أي: الجاهلين".
قوله: (أو الناسين، من قوله تعالى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢]، يعني: جاء الضلال بمعنى النسيان كما في هذه الآية، لأن التذكير لا يكون إلا بعد النسيان لا الضلال الحقيقي.
قوله: (ربئاً بمحل من رشح للنبوة)، ربأت بنفسي عن عمل كذا، وإني لأربأ بك عن هذا الأمر، أي: أرفعك عنه ولا أرضاه لك، ومن المجاز: هو مرشحٌ للخلافة، وأصله ترشيح الظبية ولدها لتعوده المشي فترشح، وقد رشح: إذا مشى، وأمه مرشحٌ، وأرشحت، كما يقال: مشدن وأشدنت، ورشح فلانٌ لأمر كذا وترشح له: كل ذلك في "الأساس". وعن بعضهم: يقال: فلانٌ يرشح للوز ارة: أي يربى ويؤهل لها، من ترشيح الأم ولدها: تقليل اللبن، وهو أن تجعله في فيه إلى أن يقوى على المص.
قوله: (من سنخه)، أي: من أصله. الجوهري: وأسناخ الأسنان: أصولها، صح "سنخٌ" بكسر السين عن تصحيح الصغاني، بكسر السين عن تصحيح الصغاني، وإنما قال: "سنخه"، لأن قوله: ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا﴾ متضمنٌ لإبطال امتنانه، كما سنقرره إن شاء الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon