..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"فأديا الرسالة، فعرف موسى عليه السلام، فقالا له ذلك"، أي: إنا رسول رب العالمين، فأرسل معنا بني إسرائيل.
وقال الإمام: لم يقل لموسى عليه السلام: وما رب العالمين؟ إلا وقد دعاه إلى طاعة رب العالمين، يبين ذلك ما تقدم من قوله تعالى: ﴿فَاتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ تم كلامه. والنظم يساعد عليه، لأنه تعالى لما أمرهما بقوله: ﴿فَاتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ لابد أن يكونا ممتثلين مؤديين لتلك الرسالة بعينها عند اللعين، وعند ذلك أنكر اللعين ذلك الكلام مفصلاً، رد أولاً صدر الكلام، وكونهما رسولين بقوله: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ إلى آخره. وثانيا بقوله: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، ولذلك جيء بالواو العاطفة، وكرر ﴿قَالَ﴾ للطول، فكأنه قال: أأنت الرسول؟ وما رب العالمين؟ وتقرير الأول: ألم نعرفك؟ أما كنت عندنا رضيعاً صغيراً ونحن ربيناك سنين كالأولاد، وعرفناك أيضاً كافر النعمة، حيث جازيت تلك النعمة بقتل بعض خدمنا، فمن أين أنت والرسالة؟ فأنكر نبوته بتحقير شأنه وكفرانه النعمة، فإنه من رذائل الأخلاق، وأدمج فيه معنى الامتنان، وأجابه به موسى عليه السلام بقوله: ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ الآية، مسلماً مقتضاه، ومثبتاً رسالته، ومبطلاً إنعامه، يعني: هب أني كنت كما تقول: صبياً رضيعاً عندكم، قاتلاً للنفس، وذلك كيف يقدح في دعوى رسالتي، لأن الله تعالى فاعلٌ مختارٌ يختص برسالته من يشاء من غير استحقاقٍ منه، فاختارني للرسالة، ووهب لي حكماً.
فوزان هذه الآية وزان قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ [الضحى: ٧]، يعني: إني كنت غير عالم بالشرائع، وطريقة السمع، فوهب لي معرفة الأحكام، وجعلني مرسلاً، ثم كر إلى جواب ما أدمج اللعين في الاعتراض من الامتنان قائلاً: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، فأبلطه من أصلها تبرياً من تلك الرذيلة التي نسبها إليه من كفران النعم،


الصفحة التالية
Icon