..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه أن كفران نعمة الكافر قبيحٌ، فكيف بنعمة المسلم، فضلاً عن نعم الله تعالى السابغة ظاهراً وباطناً؟ ثم كر اللعين إلى قول موسى عليه السلام: ﴿رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ بعد ما ألقمه نبي الله الحجر في إنكار الرسالة مستفهماً ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾؟ يعني: هب أنك رسول رب العالمين، وأن لك رباً وهب لك حكماً، وجعلك من المرسلين، فما تعني بقولك: رب العالمين، وما قصدك فيه وفيه تخصيصه؟ أتعني به التعريض بإنكار إلهيتي أم غير ذلك؟ يدل عليه قوله تعالى بعد هذا: لا ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾.
وقول المؤلف: "والذي يليق بحال فرعون ويدل عليه الكلام: أن يكون سؤاله هذا إنكاراً لأن يكون للعالمين ربٌ سواه"، فأجابه عليه السلام بما فيه إنكار إلهيته، وأن يكون رباً للعالمين تعريضاً من قوله: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾، أي: أنت أحقر من ذلك وأذل، فإن رب العالمين رب السموات والأرض وما بينهما إن كنت أنت وهؤلاء البهائم الذين اتخذوك إلهاً وسموك برب العالمين من الذين يحققون الأشياء بالنظر الصحيح الذين يؤديهم إلى الإيقان، هل تدرون ما معنى العالم، فإن العالم الذي تدعون أنه ربه عبارةٌ عن: كل ما علم به الخلائق من السموات والأرض وما بينهما، فهل تيقنتم أنه خالقها، ورازق من فيها، ومدبر أمورها، أم تفوهون بذلك جزافاً رمياً على العمياء؟ وتكرير لفظ الرب وإعادته في كل مرةٍ لتعظيم ما نسبوا إليه، فعند ذلك احتد اللعين وقال لمن حوله: ألا ترون هذه الجرأة وتسمعون هذه العظيمة، وهي نسبة الجهل إلينا عاجزاً؟ فثنى نبي الله التقريع بقوله: ﴿رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ مفصلاً لذلك المجمل، فإن الآيات المشاهدة تنقسم إلى دليلي الآفاق والأنفس، نبه به على غباوتهم، وأن الرب ينبغي أن يكون متقدماً على المربوب ومتأخراً عنه، فكيف تتخذونه رباً لكم؟ وآباؤكم الأولون قد تقدموا عليه، وأنه سيموت قبلكم أو قبل أبنائكم، فحينئذٍ زاد في تفر عنه، وشدة شكيمته، ونسبته إلى الجنون استكباراً وعناداً، وتهكم به بقوله: ﴿رَسُولَكُمْ﴾، وتوكيده بوصفٍ يدل على مزيد تقرير التهكم برسالته سفاهةً.
فعاد نبي الله عليه السلام إلى تقريع ثالثٍ بقوله: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾، عرض به أن الرب ينبغي أن يكون قادراً على ما في يده وتحت تصرفه، وأنتم تعلمون أن مشارق


الصفحة التالية
Icon