يريد: أي شيء رب العالمين؟ وهذا السؤال لا يخلو: إما أن يريد به: أى شيء هو من الأشياء التي شوهدت وعرفت أجناسها؟ فأجاب بما يستدل به عليه من أفعاله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأرض ومغاربها ليست في تصرفه، ولا يملك منها على شيءٍ ولا أحاط منها علماً بشيء، وذيله بقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ رداً لنسبته الجنون إليه على طريق المشاكلة المعنوية، أي: كيف تنسبون إلى الجنون وأنتم مسلوبو العقول فاقدون اللب، حيث لا تميزون بين هذه الشواهد، ولا تنظرون إلى هذه الآيات البينات. ولما عجز اللعين عن الحجاج عدل إلى التخويف بالسجن دأب المفحم المبهوت.
ولما قهره نبي الله - ﷺ - في الاحتجاج انتقل إلى نوع آخر من الدليل، وهو إظهار المعجزة قائلاً: ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ﴾، فعلى هذا هو متعلقٌ بأول المحاجة من لدن وقعت المكالمة مع اللعين، يعني: أو تقر بتوحيد الله تعالى وبرسالتي لو جئتك بما يدل على ذلك دلالةً ظاهرةً مكشوفةً عياناً من انقلاب العصا حيةً، ونزع اليد من الجيب مشرقةً؟
هذا أوضح من تقرير المصنف، وأوفق لتأليف النظم.
ولعله يقرب من هذا المعنى قول صاحب "المفتاح": ويحتمل أن يكون فرعون قد سأل بـ "ما" عن الوصف، لكون رب العالمين عنده مشتركاً بين نفسه وبين من دعا إليه موسى عليه السلام، لجهله، وفرط عتوه، وتسويل نفسه الشيطانية له بتسليم أولئك البهائم له إياها، وادعائهم له بذلك، وتلقيبهم إياه برب العالمين، وشهرته فيما بينهم بذلك إلى درجة دعت السحر إذ عرفوا الحق، وقالوا: آمنا برب العالمين، إلى أن يعقبوه بقولهم: ﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [نفياً] لاتهامهم أن يعنوا فرعون، وكذا فسر المصنف هذه الآية.
قوله: (أي شيءٍ هو من الأشياء التي شوهدت وعرفت أجناسها؟ ) قال صاحب "المفتاح": ولكون "ما" للسؤال عن الجنس، وللسؤال عن الوصف وقع بين فرعون وبين موسى عليه السلام ما وقع، لأن فرعون كان جاهلاً بالله تعالى معتقداً أن لا موجود مستقلاً