[(قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ* قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ* قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ* قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)].
فإن قلت: ومن كان حوله؟ قلت: أشراف قومه قيل: كانوا خمس مائة رجل عليهم الأساور وكانت الملوك خاصة. فإن قلت: ذكر السماوات والأرض وما بينهما قد استوعب به الخلائق كلها، فما معنى ذكرهم وذكر آبائهم بعد ذلك وذكر المشرق والمغرب؟ قلت: قد عم أوّلا، ثم خصص من العام للبيان أنفسهم وآباءهم. لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه، وما شاهد وعاين من الدلائل على الصانع، والناقل من هيئة إلى هيئة وحال إلى حال من وقت ميلاده إلى وقت وفاته، ثم خصص المشرق والمغرب، لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قرينة المقام، وهو الكلام في الاستدلال والنظر في الإلهية، أو ترك على إطلاقه، بمعنى: إن وجد منكم شيءٌ من هذه الحقيقة، فهذا أولى، ويمكن أن يجرى على العموم ليدخل فيه ما سبق له الكلام دخولاً أولياً.
قوله: (لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه)، هذا يشعر بأن الترقي في الاحتجاجات الثلاثة بحسب اعتبار قلة النظر وقرب المنظور فيه، فإن الدلائل المثبتة في السموات والأرض وما بينهما أبعد متناولاً من النظر من دليلٍ أنفسهم وآبائهم فقط، لأن الأول مشتملٌ عليه وعلى الآفاقية أيضاً، والثاني أبعد منظوراً من الثالث، لأن المنظور في الثاني الانتقال من هيئة إلى هيئة، ومن حالٍ إلى حالٍ من وقت ميلاده إلى وقت وفاته في نفس الناظر وأنفس آبائه، ولا كذلك النظر في طلوع الشمس وغروبها في فصول السنة، وإليه الإشارة بقوله: "ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الله عليه السلام".
قوله: (الخافقين)، الخافقان: أفقا المشرق والمغرب، قال ابن السكيت: لأن الليل والنهار يخفقان فيهما بسرعة، من خفقان الطائر، إذا صفق بجناحيه، وخفوق الراية.


الصفحة التالية
Icon