من إظهار ما في نفوسهم من الابتهاج والافتخار. ألا تراهم كيف عطفوا على قولهم: (نَعْبُدُ) (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) ولم يقتصروا على زيادة (نَعْبُدُ) وحده؟ ومثاله أن تقول لبعض الشطار: ما تلبس في بلادك؟ فيقول: ألبس البرد الأتحمى، فأجرّ ذيله بين جواري الحي. وإنما قالوا: نظل، لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل.
[(قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ)].
لا بد في (يَسْمَعُونَكُمْ) من تقدير حذف المضاف، معناه: هل يسمعون دعاءكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (البرد الأتحمي)، وأنشد الجوهري:
وعليه أتحمي... نسجه من نسج هوزم
غزلته أم خلمي... كل يوم وزن درهم
وأنشد المصنف في "الأساس": زانه من الثناء الأهتمي، بأبهى من البرد الأتحمي.
قوله: (كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل)، أي: هذا أيضاً تتميمٌ لمعنى الابتهاج والافتخار، أي: يعبدها جهراً لا سرًا، ولا يلبث في عبادتها لبثاً قليلاً بل طويلاً، ثم لا يكون ذلك البث إلا خضوعاً وخشوعاً، لأن الاعتكاف عبادةٌ معروفة.
قوله: (لابد في ﴿يَسْمَعُونَكُمْ﴾ من تقدير حذف المضاف)، قال في قوله تعالى: ﴿إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا﴾ [آل عمران: ١٩٣]: يقول: سمعت رجلاً يقول كذا، فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع، لأنك وصفته بما يسمع، أو جعلته حالاً منه فأغناك عن ذكره، ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بد، وأن يقال: سمعت كلام فلان، وههنا قرينة المحذوف الظرف، وهو ﴿إِذْ تَدْعُونَ﴾، فإن فيه دلالةً على الدعاء.