وقرأ قتادة: (يُسمِعونكم)، أي: هل يسمعونكم الجواب عن دعائكم؟ وهل يقدرون على ذلك؟ وجاء مضارعا مع إيقاعه في "إذ" على حكاية الحال الماضية. ومعناه: استحضروا الأحوال الماضية التي كنتم تدعونها فيها، وقولوا: هل سمعوا أو أسمعوا قط؟ وهذا أبلغ في التبكيت.
[(قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ* قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ* الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ* وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)].
لما أجابوه بجواب المقلدين لآبائهم قال لهم: رقوا أمر تقليدكم هذا إلى أقصى غاياته وهي عبادة الأقدمين الأوّلين من آبائكم، فإن التقدّم والأوّلية لا يكون برهانا على الصحة، والباطل لا ينقلب حقا بالقدم، وما عبادة من عبد هذه الأصنام إلا عبادة أعداء له، ومعنى العداوة: قوله تعالى: (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم: ٨٢]؛ ولأنّ المغري على عبادتها أعدى أعداء الإنسان وهو الشيطان، وإنما قال: (عَدُوٌّ لِي) تصويرا للمسألة في نفسه، على معنى: أني فكرت في أمري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وجاء مضارعاً مع إيقاعه في "إذ")، وذلك أن إذ يجعل المضارع في معنى الماضي، كقوله تعالى: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٤]، وفائدته: استحضار جميع الأحوال الماضية وقتاً فوقتاً، يعني: قولوا لنا: هل قدروا على السماع أو الإسماع قط في تلك الأوقات؟ وهو أدخل في الإلزام من لو قيل: إذ دعوتموهم.
قوله: (ولأن المغري)، عطفٌ على قوله: "ومعنى العداوة قوله تعالى: ﴿كَلَّا سَيَكْفُرُونَ﴾ ".
قوله: (قال: ﴿عَدُوٌّ لِي﴾ تصويراً للمسألة)، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام لما بكتهم بقوله: ﴿إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾ ما أجابوه إلا بالتقليد المحض، وهو قولهم: ﴿بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾، أراد أن يصور لهم بطلان التقليد، قال: أخبروني ما


الصفحة التالية
Icon