..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جعلتهما نوعين لجنس الغنى، كما جعلهما الله تعالى في معنى الزينة في قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: ٤٦]، ولما ناسب سلامة القلب هذا المعنى، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه، أدخلته فيهما ثم أخرجت بالاستثناء أحد أنواع هذا الجنس، وهو سلامة القلب، ومنه ما روينا عن أحمد بن حنبلٍ والترمذي وابن ماجه، عن ثوبان رضي الله عنه قال: لما نزلت ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ [التوبة: ٣٤] الآية، قال بعض أصحاب رسول الله - ﷺ -: لو علمنا أي المال خيرٌ اتخذناه، فقال رسول الله - ﷺ -: "أفضل المال لسانٌ ذاكر، وقلبٌ شاكر، وزوجةٌ صالحةٌ تعين المؤمن على إيمانه".
والوجهان متقاربان، والفرق هو أن القصد في الأول نفي المدعى على البت بإثبات ما يقابله ويناقضه، والقصد في الثاني إدخاله في جنس ما يخالفه لمعنى مجازيٍّ يشتركان فيه، ثم إخراجه منه، وسيجيء تحقيق هذا الأسلوب، والاختلاف فيه في النمل إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل: ٦٥]، والله أعلم.
ويمكن أن يحمل على معنى الزينة، بأن يقال: يوم لا ينفع زينةٌ قط إلا زينة من حلي قلبه بالإخلاص، وبالرضا عن الله تعالى، كقوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ﴾ [الكهف: ٤٦]، إذ المعنى بالباقيات: ما يبقى لصاحبه من الأعمال ولم يجعله هباء منثوراً بالرياء والسمعة، ولذلك أوثر لفظة "أتى"، كما في قوله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ [النمل: ٨٩]، أي: لم يتركها للغير رياءً، وكما تستدعي كلمة "خير" إدخال الباقيات في معنى الزينة، كذلك توجب كلمة "إلا" إدخال سلامة القلب في حكم ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ﴾ المعبران بالزينة. روى السلمي عن بعضهم: علامة سلامة القلب أن يرى راضياً عن اله تعالى في جميع الأفعال غير متخلل قلبه خلافه بكل حال. وقال أبو عثمان: وهو على أربع منازل: السلامة عن الشرك، وعن الأهواء المضلة، وعن الرياء والعجب، وعن ذكر كل شيءٍ سوى الله تعالى.