كأنه قيل: يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه. ولك أن تجعل الاستثناء منقطعا، ولا بدّ لك مع ذلك من تقدير المضاف؛ وهو الحال، والمراد بها سلامة القلب، وليست هي من جنس المال والبنين، حتى يؤوّل المعنى إلى أن المال والبنين لا ينفعان، وإنما ينفع سلامة القلب. ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى. وقد جعل (مَنْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولابد لك مع ذلك من تقدير المضاف)، يعني: إنك إن حملت الاستثناء على الانقطاع فلا تستغني عن تقدير المضاف، كما أنك ما استغنيت في الاتصال من تقدير حالٍ، أي سلامة، أو غنى.
قوله: (ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى)، قال صاحب "التقريب": إذ شرط المنقطع: أن يصح إسناد الفعل الأول إليه ولا يدخل في المستثنى منه. قيل: فيه نظرٌ، لأنا إذا قدرنا المضاف يكون التقدير: لكن حال من أتى الله بقلبٍ سليم ينفعه، ويستقيم المعنى، وكذلك لو لم يقدر، ويكون التقدير: لكن من أتى الله بقلبٍ سليم ينفعه حاله، يستقيم المعنى. وإذا استقام المعنى على التقديرين بناءً على أنه لابد في الاستثناء المنقطع من جعل إلا بمعنى لكن، وتقدير الخبر بعد ذلك، فلا يتعين تقدير المضاف، ولا يفسد المعنى إذا لم يقدر، ويؤيده قول أبي البقاء: أي: لكن من أتى الله يسلم أو ينتفع.
وقلت: لكن مراد المصنف من قوله: "ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى" شيءٌ آخر، وهو أن المذكور بعد حرف الاستثناء كلمة ﴿مَنْ﴾، وهو بمعنى النفس أو الشخص، وليس المعنى أن نفس الآتي تنفعه، أو تنفع أحداً بالدفع أو الشفاعة أو النصرة، لكن المعنى: لا ينفعه إلا سلامة قلبه، فلابد من التأويل كيف ما كان، ويدل على أن المستدعي للمضاف لفظ ﴿مَنْ﴾ قوله: "وقد جعل ﴿مَنْ﴾ مفعولاً لـ ﴿يَنْفَعُ﴾، لأن على هذا التأويل لا يحتاج إلى تقدير المضاف، كأنه قيل: لا ينفع مالٌ ولا بنون أحداً إلا رجلاً سليم قلبه مع ماله. قال أبو البقاء: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ﴾ متصلٌ، وفي موضع نصب بدلاً من المحذوف،